السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال عن مدى حرية الإنسان في إختيار طريقه، اي الإرادة الشخصية. عندما قرأت الاية التالية: "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا..."، خطر في بالي هذا السؤال. وهذه الاية ايضاً: "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ". هل يجوز القول ان جملة "فزادهم الله مرضا" تثبت ان زيادة الإنسان في الكفر والشك ليست من عند الإنسان بل من عند الله عز وجل؟
ما هو مفهوم الإرادة الشخصية في الإسلام؟
انا لا احب ان اسأل هكذا اسئلة لأنني اشعر ان فيها تشكيك بالله العزيز الجليل لكن ينتابني الفضول ايضاً لكي اعرف الجواب ولكي اعرف كيفية الجواب على مثل هذه الأسئلة إذا سُئلت يوماً.
شكراً مسبقاً على الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم اختنا الكريمة في تطبيقكم المجيب
ان من الأمور الثابتة في مذهبنا مذهب اهل البيت عليهم السلام انه لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين فليس الانسان مختار تماما بحيث يخرج عن سلطان الله تعالى يفعل ما يشاء كيف يشاء ولا انه مجبور على عمله ليس له أي اختيار في عمله بل امر بين امرين فهو من جهة يخضع لسلطان الله تعالى ويحكمه تقدير الله تعالى وقضائه ومن جهة له اختيار الخير او الشر وتوجد أسئلة كثيرة في المجيب تبين هذا المعنى بالادلة القرانية والروائية والعقلية
ومن هنا فاي اية من الايات الشريفة في القران الكريم ظاهرها ينافي هذا المحكم القراني فهذا يعني ان ما تبادر من الفهم ليس هو الصحيح وفي ابعد الأحوال نؤول هذه الايات بما ينسجم مع المنظومة القرانية ولعل بدوا ما تفضل به جنابكم الكريم بالسؤال ويلتبس الامر على قارئ هذه الايات الشريفة انا اعرض بخدمتكم وامر على الايتين مرورا سريعا ابين ما ذكره الاعلام والمفسرون فيه هاتين الايتين.
قوله تعالى : ((فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ)) (البقرة:10)
ذكر الشيخ الطوسي بيانا لهذه الاية الشريفة وعرضه بشكل تساؤل وجواب انقل لكم ما ذكره رحمه الله مع التوضيح:
((فان قيل إذا كان معنى قوله : ( في قلوبهم مرض ) أي شك ونفاق ثم قال: ( فزادهم الله مرضا ) ثبت ان الله يفعل الكفر بخلاف ما تذهبون إليه
قيل: ليس الامر على ما ذكرتم بل معناه : إن المنافقين كانوا كلما أنزل الله آية أو سورة كفروا بها فكان نزول هذه الايات القرانية سببا في زيادة كفرهم وشكهم
فاذا كان الحال هكذا عندها يصح منه تعالى ان يقول: فزادهم الله مرضا لما ازدادوا هم مرضا عند نزول الآيات.
ومثل ذلك قوله حكاية عن نوح : ( رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) أي ان دعاء النبي نوح عليه السلام لهم كان سببا في زيادة فرارهم وليس يعني ان نوحا كان سببا في فرارهم بل هم كلما يدعوهم دعوة الحق فانه ينفرون منه فاذا زاد عليه دعوة الحق فالنتيجة انهم يزدادون فرارا فيصح ان أقول ان دعاء نوح زادهم فرارا
ومثل قوله: ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) وإنما أراد انهم ازدادوا من الرجس عند نزول السورة وليس ان الايات القرانية تزيد في الرجس بل هم كلما نزلت اية يزدادون غيا ورجسا وبعدا فاذا زاد الله في نزول الايات ازدادوا هم رجسا فصح ان نقول ان السورة التي نزلت زادتهم رجسا.
وكقوله : ( فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ) والمؤمنون ما أنسوهم ذكر الله بل كانوا يدعونهم إليه تعالى لكن لما نسوا ذكر الله عند ضحكهم من المؤمنين واتخاذ المؤمنين سخريا جاز أن يقال : إن المؤمنين أنسوهم
ويقول القائل لغيره إذا وعظه فلم يقبل نصيحته : قد كنت شريرا فزادتك نصيحتي شرا وإنما يريد أنه ازداد عنده))(التبيان في تفسير القران، الشيخ الطوسي، ج1/ص72)
اما الاية الثانية التي تفضل بها جنابك الكريم وهي قوله تعالى: ((اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) (القرة:15)
فليس المراد منها ما تبادر الى ذهنكم وان الله يزيد في طغيانهم بل المراد على مار وردت بعض الروايات ان الله يتركهم ونص الرواية الورادة: ((يا محمد * ( اللَّه يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) * يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة * ( ويَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) * يمهلهم فيتأنى بهم برفقه ، ويدعوهم إلى التوبة ، ويعدهم إذا تابوا المغفرة ... المزید))
فليس المراد ان الله يمد طغيانهم بل المراد انه يمدهم ويمهلهم وهم في طغيانهم فهي تحكي ان الله لا يستعجلهم العذاب ولكن يبقى رحيما بهم ويمهلهم لعلهم يهتدون وهم غارقون في طغيانهم.
تحياتي لكم
ودمتم بحفظ الله ورعايته