( 22 سنة ) - العراق
منذ سنتين

فلسفة

ما معنى الحياة؟ ما الهدف منها؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا جاء في كتاب سرّ الخليقة وفلسفة الحياة للسيد عادل العلوي(رحمه الله ): إنّ الإنسان منذ أن خُلق وعرف نفسه، فإنّه يسأل عن علّة وجوده وحكمة خلقه وفلسفة حياته، ومن ثمّ ما هو الهدف والغاية من خلقة هذا الكون العظيم الدقيق بكلّ ما فيه من ذرّاته، ومن حركة الألكترون والنترون وإلى مجرّاته وحركة المجموعة الشمسيّة؟ ولماذا هذه الدنيا التي شُحنت بألوان الشقاء والعذاب والأهوال والأحداث كالزلازل والفيضانات والحروب، وكثير من الناس يشعر بالتعاسة والبؤس والحرمان؟! قد اختلف الجواب عن ذلك، فمن كان متوغّلا في الملاذّ والشهوات وتغلّبت عليه القوّة البهيميّة، وجذبته المادّة وزخارف العيش، يجيب عن السؤال: بأنّه خُلقنا للأكل والشرب والتزوّد من الملذّات الدنيويّة، وأنّ السعيد من حاز على نصيب أوفر منها. فإنّهم لم يؤمنوا بالمعاد وبحياة اُخرى، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم عن لسانهم: {وَقَالُوا مَا هِي إلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلاّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْم إنْ هُمْ إلاّ يَظُنُّونَ}(١). {وَالَّذينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأكُلُونَ كَمَا تَأكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوَىً لَهُمْ}(٢). ومنهم من يجيب أنّه خُلقنا للشقاء، فإنّ الحياة كلّها شقاء ونصب وتعب، ومنهم من يقول: خُلِق بعضنا للسعادة والبعض الآخر للشقاء، وهذا رأي الأشاعرة. وهذا كلّه من الجهل والرجم بالغيب. وقال بعض المتكلّمين: إنّ التكليف من الله سبحانه هو وجه الحكمة الذي لأجله حسن من الله تعالى خلق العالم بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، فالله سبحانه خلق كلّ شيء للإنسان وخلق الإنسان ليكلّفه ثم يُثيبه، فإنّ الثواب هو العطاء الاستحقاقي والنفع المستحقّ على الله تعالى على سبيل التعظيم والإجلال ولا يكون إلاّ للمكلّفين، كثمرة التكليف حسب استحقاقهم ذلك. وقال بعضهم: خلق الله الخلق لأنّ الأمر أمره، والملك ملكه، ولا ينفعهم ولا يضرّهم، ولا لوجه يخرج به عن كونه عبثاً. وقال آخر: خلق الله الخلق لإظهار قدرته وقوّته، فبعض الخلق للنار، وبعض للجنّة. وذهب بعض الحكماء: إلى أنّ الخلق لا لغرض أعلى من صدوره لغرض، لما فيه من احتمال النقص لو صدر لغرض. وعند بعض الفلاسفة خلاف ذلك بأنّ الخلق لا لغرض هو الذي يدلّ على النقص. والرأي الصائب كما هو معتقد الإماميّة: إنّما خلق الله الأشياء من أجل الإنسان: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً}(١). وخُلق الإنسان من أجل تكامله، فخلقنا لنتكامل ونتزوّد بالعلم والمعرفة والتقوى لنيل النعيم الأبدي، وليكون الإنسان خليفة الله في ظهور أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فخلقنا من الرحمة الإلهيّة ونشأنا بالرحمة، ونرجع بالعلم والعبادة إلى رحمة الله تعالى، كما عليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة، وزبدة المخاض أنّ فلسفة الحياة هو التكامل، وذلك بالرحمة والعلم والعبادة، فالعلم من الله في قوس نزولي، والعبادة من الإنسان في قوس صعودي، وظاهر القوس الدائري وباطنه الرحمة الرحمانيّة والرحيميّة. توضيح ذلك: أنّ المعاني والمفاهيم على قسمين: إمّا حقيقيّة ـ كالإنسان والحيوان ـ بحيث لا يتوقّف تصوّرها وتعقّلها على معان اُخرى، وإمّا إضافيّة ـ أي بالإضافة إلى الغير ـ فإنّ تعقّلها وتصوّرها يتوقّف على معان اُخرى كالعلم والعشق، حيث العلم رابط بين العالم والمعلوم، وإنّما نتصوّر العشق بعد تصوّر العاشق والمعشوق. والخلق مصدر من (خَلَقَ، يَخلُقُ، خَلقاً) يتوقّف تصوّره على معنى الخالق والمخلوق فهو رابط بينهما والحاصل منهما، فإذا أردنا أن نقف على سرّ الخلق والخليقة فلا بدّ أن نتصوّر سرّ الخالق وسرّ المخلوق، وبعبارة اُخرى سرّ العلّة الاُولى والمسمّى بعلّة العلل وهو واجب الوجود لذاته، وسرّ المعلول، وهو ما سوى الله سبحانه وتعالى وهو ممكن الوجود لذاته، فإنّ الله سبحانه وتعالى على حسب تعبير فلاسفة المشّاء هو علّة العلل، وما سواه المعلولات وإن كانت بعضها لبعض عللا. وربما يقال: إنّ الله سبحانه فوق أن يوصف بذلك، فهو خالق العلّة والمعلول فكيف يتأطّر بمخلوقه ويدخل ضمن نظام العلّة والمعلول، كما يلزم قدم العالم بقدم علّته، إذ لا انفكاك بين العلّة والمعلول، فيلزم أن يكون موجباً ويسلب منه القدرة والاختيار، وكيف يكون ذلك؟ فإنّ لازمه نفي الذات، فإنّ القدرة عينها، فلا بدّ من معرفة الخالق والمخلوق حتّى نُشرف على سرّ الخلق. وهذا يحتّم علينا أن نسلّط الأضواء على غاية خلق هذا الكون تارة من ناحية الصانع والخالق الموجد الأوّل، بأنّه لماذا خلق وصدر عنه المخلوقات بمراتبها وعدم نهايتها؟ واُخرى نبحث من ناحية المخلوقات بأنّها لماذا صدرت عن الله سبحانه؟ وما هو السرّ وهو الحكيم العليم الخبير؟ وأنّه لم يخلق السماوات والأرض عبثاً ولا لهواً ولا لعباً، كما يحكم بذلك العقل السليم والفطرة المستقيمة، وتصرّح بذلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. فالغاية والمقصود من المخلوقات (هو إيصال كلّ واحد إلى كماله). وقد ورد عن الإمامين الصادقين (عليهما السلام): (الكمال كلّ الكمال: التفقّه في الدين والصبر على النائبة والتقدير في المعيشة). وهذا يعني أنّ كمال الإنسان في كلّ أبعاده، العلمي والعملي، والفردي والاجتماعي، المادّي والمعنوي، إنّما هو في حركات ثلاثة، واستفدنا الحركة من قوله (عليه السلام): (الكمال كلّ الكمال)، فإنّ الكمال فيما سوى الله سبحانه لازمه الحركة، وأمّا في الله سبحانه فإنّه الثابت فلا يتّصف بالحركة والسكون، فكمال الإنسان في حركات ثلاثة: 1 ـ الحركة العلمية (التفقّه في الدين) فإنّ الفقه بمعنى الفهم وهو يرادف العلم أو يلازمه. 2 ـ الحركة الأخلاقية (الصبر على النائبة) فإنّ أساس الأخلاقيات هو الصبر والفرد الشاخص له هو الصبر على النائبة. 3 ـ الحركة الاقتصادية (التقدير في المعيشة) فيكون عيشه بقدر معلوم من دون إفراط وتفريط، فيراعي الجانب الاقتصادي في حياته. دمتم في رعاية الله

6