السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا
جاء في تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٧ - الصفحة ٢٧٣-٢٧٤:
قوله تعالى: " فإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة قال إنما أوتيته على علم " الخ الآية في مقام التعليل البياني لما تقدم من وصف الظالمين ولذا صدرت بالفاء لتتفرع على ما تقدم تفرع البيان على المبين.
فهو تعالى لما ذكر من حالهم أنهم أعرضوا عن كل آية دالة على الحق ولم يصغوا إلى الحجج المقامة عليهم ولم يسمعوا موعظة ولم يعتدوا بعبرة فجحدوا ربوبيته تعالى وأنكروا البعث والحساب وبلغ بهم ذلك أن اشمأزت قلوبهم إذا ذكر الله وحده.
بين أن ذلك مما يستدعيه طبع الانسان المائل إلى اتباع هوى نفسه والاغترار بما زين له من نعم الدنيا والأسباب الظاهرية الحافة بها فالانسان حليف النسيان إذا مسه الضر أقبل إلى ربه وأخلص له ودعاه ثم إذا خوله ربه نعمة نسبه إلى علم نفسه وخبرته ونسي ربه وجهل أنها فتنة فتن بها.
فقوله: " فإذا مس الانسان ضر " أي مرض أو شدة " دعانا " أي خصنا بالدعاء وانقطع عن غيرنا.
وقوله: " ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم " التخويل الاعطاء على نحو الهبة، وتقييد النعمة بقوله: " منا " للدلالة على كون وصف النعمة محفوظا لها والمعنى خولناه نعمة ظاهرا كونها نعمة.
وضمير " أوتيته " للنعمة بما أنه شئ أو مال والعناية في ذلك بالإشارة إلى أنه لا يعترف بكونها نعمة منا بل يقطعها عنا فيسميها شيئا أو مالا ونحوه ولا يسميها نعمة حتى يضطره ذلك إلى الاعتراف بمنعم والإشارة إليه كما قال: " أوتيته " فصفح عن الفاعل لذلك والتعبيران أعني " نعمة منا " " إنما أوتيته " من لطيف تعبير القرآن، وقد وجهوا تذكير الضمير في " أوتيته " بوجوه أخر غير موجهة من أرادها فليرجع إلى المفصلات.
والملائم لسياق الآية أن يكون معنى " على علم " على علم مني أي أوتيت هذا الذي أوتيت على علم مني وخبرة بطرق كسب المعاش واقتناء الثروة وجمع المال.
وقيل: المراد إنما أوتيته على علم من الله بخير عندي استحق به أن يؤتيني النعمة، وقيل: المراد على علم مني برضى الله عني، وأنت خبير بأن ما تقدم من معنى قوله: " ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته " لا يلائم شيئا من القولين.
وقوله: " بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي بل النعمة التي خولناه منا فتنة أي ابتلاء وامتحان نمتحنه بذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون بذلك.
وقيل: معناه بل تلك النعمة عذاب لهم، وقيل: المعنى بل هذه المقالة فتنة لهم يعاقبون عليها والوجهان بعيدان سيما الأخير.
دمتم في رعاية الله