حسنين اثير عزيز ( 22 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

طلب العلم

قال رسول الله (ص) :( اطلب العلم من المهد الى اللحد ) ، فهل هذه الدراسة التي ندرسها في المدارس و الجامعات نفس الدراسة التي حثنا عليها النبي ص ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا الإسلام قد أمر بطلب كلّ علم نافعٍ ومفيدٍ، والدليل على ذلك عدّة أمورٍ: 1- لو كان الإسلام قد أوصى بطلب العلم الدينيّ فقط فهذا معناه أنّه قد أوصى بنفسه، وبالتالي يكون توجُّه الإسلام نحو العلم وطلبه صِفْراً، لأنّ كلّ مذهبٍ من المذاهب، مهما يكن عداؤه للعلم والمعرفة، لا يمكن له أن يقف معارِضاً الاطّلاع على ذاته، بل سيقول حتماً: تعرّفوا عليّ‏َ، ولا تتعرّفوا على غيري. وبعبارةٍ أخرى، لو كان المقصود من العلم الّذي يأمر الإسلام بطلبه هو العلم الدينيّ فقط لكانت نظرة الإسلام إلى العلم سلبيّةً، وهذا ما ثبت خلافه فيما تقدّم من البحث. 2- إنّ القرآن الكريم قد طرح عدداً من المواضيع وطلب من الناس التأمّل فيها، وما هذه المواضيع سوى موضوعات تلك العلوم الّتي نطلق عليها اليوم أسماء العلوم الطبيعيّة والرياضيّة والحياتيّة والتاريخيّة وغيرها، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ وغيرها آيات كثيرة تدعو الناس إلى التأمّل في مخلوقات الله، والاطّلاع على أسرار الكائنات وأحوالها، وهذا خير دليلٍ على أنّ الإسلام لم يحصر العلم المطلوب تحصيله بالعلم الدينيّ. 3- الشيعة والموالين لأهل البيت عليهم السلام يعتقدون أنّ سيرة الأئمّة وأقوالهم سُنّة، ومن المعلوم أنّ المسلمين في أواخر القرن الأوّل وأوائل القرن الثاني الهجريّ قد تعرّفوا على علوم الدنيا عن طريق ترجمتها عن اليونانيّة والهنديّة والفارسيّة، فقد ترجموا الكتب المتعدّدة في الفلك والمنطق والفلسفة والطبّ والحيوان والأدب والتاريخ، ولم يصدر من الأئمّة عليهم السلام، الّذين لم يتوانوا قطّ في توجيه الانتقاد إلى الخلفاء أنفسهم إذا ما صدر منهم ما هو خلاف تعاليم الإسلام، أيُّ ردعٍ عن ذلك، ممّا يدلّ على أنّ ترجمة وتلقّي هذه العلوم هو من الأمور المَرْضِيَّة عندهم عليهم السلام، الأمر الّذي يعني أنّ الإسلام يوافق إذا لم نقل يشجِّع على التعرّف على هذه العلوم ودراستها، لفائدتها وتأثيرها العظيم في حياة المسلمين. 4- ذكرنا فيما تقدّم من البحث حديثين، واحد للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وآخر للإمام عليّ عليه السلام، وكلّ من هذين الحديثين يدلّ، ولو احتمالاً، على أنّ المقصود من العلم بنظر الإسلام ما هو أعمّ من العلم الدينيّ. فقد ورد عنه عليه السلام "اطلبوا العلم ولو في الصين"، وقد ذُكرت الصين هنا، إمّا لأنّها أبعد مكانٍ معروفٍ في العالم يومئذٍ، أو لأنّها كانت مركزاً من مراكز العلم والصناعة في العالم، ولم تكن الصين لا قديماً ولا حديثاً مركزاً من مراكز العلوم الدينيّة. وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحكمة ضالّة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحقّ بها وأهلها" وهذا لا معنى له لو كان المراد بالحكمة العلم الدينيّ فقط، إذ أيُّ علمٍ دينيّ سيأخذه المؤمن من المشرك؟! فالمراد إذاً ما هو أعمّ من العلم الدينيّ. 5- ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله جملة من الأحاديث تحدّد المراد من العلم، ولكن ليس بالنصّ على العلم الفلانيّ والفلانيّ، بل ذكر بعنوان العلم النافع فكلّ علمٍ يتضمّن فائدةً وأثراً يقبل بهما الإسلام ويعتبرهما مفيدين ونافعين، هو مقبول في الإسلام، وطلبُه فريضة. 6- ذهب الفقهاء إلى أنّ العلم واجب تهيُّئيّ مقدِّميّ، بمعنى أنّ وجوبه ناشىء من كونه يهيى الإنسان ويعدّه لإنجاز الوظائف الملقاة على عاتقه، وبما أنّ وظائف الإنسان المسلم لا تقتصر على الصلاة والصوم والحجّ وما شاكل ذلك، بل هناك أعمال هي بحكم الفرائض من حيث الوجوب، كالطبابة مثلاً، فإنّها واجب كفائيّ، وهكذا كلّ ما يحتاجه المجتمع الإسلاميّ من الأعمال الّتي لا تستقيم الحياة إلّا بها، كالزراعة والصناعة والتجارة، هي واجبات كفائيّة، إذ بكلّ هذه الأمور يتخلّص المجتمع الإسلامي من الخضوع للملل غير الإسلاميّة، ويعيش الاستقلال والحرّيّة والعزّة في اقتصاده وسياسته وأمنه وكلّ شؤون حياته، وهذا ما يريده الإسلام للمجتمع الإسلاميّ، وبما أنّ هذه الأعمال تبتني على علومٍ وفنونٍ لا يمكن تحصيلها إلاّ بالتعلّم والدراسة كان تعلّم هذه العلوم واجباً تبعاً لوجوب تلك الأعمال، وبالاصطلاح العلمي يعتبر العلم باستثناء بعض المعارف الربوبيّة وسيلة لا غاية. فتبيَّن أنّ العلم المطلوب تحصيله في الإسلام أعمّ من العلم الدينيّ، بل يمكننا القول بمل‏ء أفواهنا أنّ العلم الدينيّ لا ينحصر في علم العقائد والفقه والأخلاق ونحوها، بل العلم الدينيّ هو كلّ علمٍ ينفع الناس، ويرقى بالمجتمع إلى درجة الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والأمن، فلا يحتاج المسلمون إلى استجداء تلك المهارات من هنا وهناك، ولا يضطرّون لتقديم كرامتهم وعزّتهم وحرّيّتهم ثمناً لما تقدّمه لهم الملل غير الإسلاميّة من الخبرات في المجالات العلميّة المختلفة.… دمتم في رعاية الله

13