السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا
جاء في تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٠٥-٣٠٨:
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم) بين يدي الشئ أمامه وهو استعمال شائع مجازي أو استعاري وإضافته إلى الله ورسوله معا لا إلى الرسول دليل على أنه أمر مشترك بينه تعالى وبين رسوله وهو مقام الحكم الذي يختص بالله سبحانه وبرسوله بإذنه كما قال تعالى: (إن الحكم إلا لله) يوسف: 40، وقال: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) النساء: 64.
ومن الشاهد على ذلك تصدير النهي بقوله: (يا أيها الذين آمنوا) وتذييله بقوله: (واتقوا الله إن الله سميع عليم) الظاهر في أن المراد بما بين يدي الله ورسوله هو المقام الذي يربط المؤمنين المتقين بالله ورسوله وهو مقام الحكم الذي يأخذون منه أحكامهم الاعتقادية والعملية.
وبذلك يظهر أن المراد بقوله: (لا تقدموا) تقديم شئ ما من الحكم قبال حكم الله ورسوله إما بالاستباق إلى قول قبل أن يأخذوا القول فيه من الله ورسوله أو إلى فعل قبل أن يتلقوا الامر به من الله ورسوله لكن تذييله تعالى النهي بقوله: (إن الله سميع عليم) يناسب تقديم القول دون تقديم الفعل ودون الأعم الشامل للقول والفعل وإلا لقيل: إن الله سميع بصير ليحاذي بالسميع القول وبالبصير الفعل كما يأتي تعالى في كثير من موارد الفعل بمثل قوله: (والله بما تعملون بصير) الحديد: 4، فمحصل المعنى: أن لا تحكموا فيما لله ولرسوله فيه حكم إلا بعد حكم الله ورسوله أي لا تحكموا إلا بحكم الله ورسوله ولتكن عليكم سمة الاتباع والاقتفاء.
لكن بالنظر إلى أن كل فعل وترك من الانسان لا يخلو من حكم له فيه وكذلك العزم والإرادة إلى فعل أو ترك يدخل الافعال والتروك وكذا إرادتها والعزم عليها في حكم الاتباع، ويفيد النهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله النهي عن المبادرة والاقدام إلى قول لم يسمع من الله ورسوله، وإلى فعل أو ترك أو عزم وإرادة بالنسبة إلى شئ منهما قبل تلقي الحكم من الله ورسوله فتكون الآية قريبة المعنى من قوله تعالى في صفة الملائكة: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) الأنبياء: 27.
وهذا الاتباع المندوب إليه بقوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) هو الدخول في ولاية الله والوقوف في موقف العبودية والسير في مسيرها بجعل العبد مشيته تابعة لمشية الله في مرحلة التشريع كما أنها تابعة لها في مرحلة التكوين قال تعالى: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) الانسان: 30، وقال: (والله ولي المؤمنين) آل عمران:
68، وقال: (والله ولي المتقين) الجاثية: 19.
وللقوم في قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) وجوه:
منها: أن التقديم بمعنى التقدم فهو لازم ومعنى (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) لا تعجلوا بالامر والنهي دون الله ورسوله ولا تقطعوا بالامر والنهي دون الله ورسوله، وربما قيل: إن التقديم في الآية بمعناه المعروف لكنه مستعمل بالاعراض عن متعلقاته كقوله: (يحيي ويميت) الحديد: 2، فيؤل المعنى إلى مجرد كون شئ قدام شئ فيرجع إلى معنى التقدم.
واللفظ مطلق يشمل التقدم في قول أو فعل حتى التقدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المشية والجلسة، والتقدم بالطاعات الموقتة قبل وقتها وغير ذلك.
ومنها: أن المراد النهي عن التكلم قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي إذا كنتم في مجلسه وسئل عن شئ فلا تسبقوه بالجواب حتى يجيب هو أولا.
ومنها: أن المعنى: لا تسبقوه بقول أو فعل حتى يأمركم به.
ومنها: أن المعنى: لا تقدموا أقوالكم وأفعالكم على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله ولا تمكنوا أحدا يمشي أمامه.
والظاهر أن تفسير (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) بالنهي عن التقديم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط في هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة مبني على حملهم ذكر الله تعالى مع رسوله في الآية على نوع من التشريف كقوله: أعجبني زيد وكرمه فيكون ذكره تعالى للإشارة إلى أن السبقة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أي حال في معنى السبقة على الله سبحانه.
ولعل التأمل فيما قدمناه من الوجه يكفيك في المنع عن المصير إلى شئ من هذه الوجوه.
وقوله: (واتقوا الله إن الله سميع عليم) أمر بالتقوى في موقف الاتباع والعبودية ولا ظرف للانسان إلا ظرف العبودية ولذلك أطلق التقوى.
وفي قوله: (إن الله سميع عليم) تعليل للنهي والتقوى فيه أي اتقوه بالانتهاء عن هذا النهي فلا تقدموا قولا بلسانكم ولا في سركم لان الله سميع يسمع أقوالكم عليم يعلم ظاهركم وباطنكم وعلانيتكم وسركم.
دمتم في رعاية الله