أدب الجوارح
إن للنفس الإنسانية في جهاد النفس مقامان، مقام الظاهر ومقام الباطن : فما تعريهما :
أدب الجوارح-اللسان((آداب إسلامية))إن للنفس الإنسانية في جهاد النفس مقامان، مقام الظاهر ومقام الباطن، والجهاد في كلا المقامين مختلف عن الآخر ولتوضيح ذلك لا بد أن نتعرف ولو إجمالا على معنى هذين المقامين وما يتميز كل منهما عن الآخر.
المقام الأول "الباطن"
وهو المقام الذي ينبغي التنبه له جيدا وهو الذي أشار له الإمام الخميني قدس سره في "الأربعون حديثاً" بقوله: "اعلم أن للنفس الإنسانية مملكة ومقاماً آخر، وهي مملكتها الباطنية ونشأتها الملكوتية، وفيها تكون جنود النفس أكثر وأهم مما في مملكة الظاهر، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية أعظم والغلبة والانتصار فيها أشد وأهم، بل وإن كل ما في مملكة الظاهر قد تنزَّل من هناك وتظهر في عالم المُلك، وإذا تغلب أي من الجند الرحماني أو الشيطاني في تلك المملكة، يتغلب أيضا في هذه المملكة. وجهاد النفس في هذا المقام مهم للغاية عند المشايخ العظام من أهل السلوك والأخلاق، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات، والدرجات والدركات"1.
لأن ظاهر الإنسان يمكن إصلاحه بالتوبة والندم عن سوء العمل، إلا أن الباطن وسوء السريرة قد يصل بالإنسان إلى مرحلة تجعله غير قابل لنزول الرحمة الإلهية عليه من قبيل الشفاعة أو الصفح الإلهي، فيصبح مصداق الآية الشريفة: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(البقرة:81).
المقام الثاني "الظاهر"
يقول الإمام الخميني قدس سره عن هذا المقام في كتابه الأربعون حديثاً ما ملخصه:اعلم أن مقام النفس الأول ومنزلها الأدنى والأسفل، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما، فتكون ساحة معركة النفس وجهادها نفس هذا الجسد، وجنودها هي قواه الظاهرية السبعة وهي: "الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل". وتكون جميع هذه القوى تحت تصرف النفس في مقام الوهم، فإذا تحكَّم الوهم على تلك القوى سواء بذاته مستقلاً أو بتدخل الشيطان، جعلها أي تلك القوى جنوداً للشيطان، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان، وتنهزم عندها جنود الرحمن والعقل، وتتوارى وتخرج من نشأة الملك (أي المادة) وعالم الإنسان وتهاجر عنه، وتصبح هذه المملكة خاصة بالشيطان.
وأما إذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع، وكانت حركاته وسكناته مقيدة بنظام العقل والشرع، فقد أصبحت هذه المملكة مملكة روحانية وعقلانية، ولم يجد الشيطان وجنوده محط قدم لهم فيها".
إذاً، يكون جهاد النفس في هذا المقام عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهرية، وجعلها مؤتمرة بأمر الخالق، وعبارة عن تطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده.
وبناء على هذا فعلى المؤمن السالك إلى الله تعالى في هذا المقام أي مقام الظاهر أن يلتفت بكل ما أوتي من حكمة ودراية للأحكام الإلهية التي تتعلق بقواه التي أودعها الله تعالى فيه، وهذا ما يسمى بأدب الجوارح وسيأتي الحديث عنه.
أدب الجوارح
إن وظيفة المرء في هذا المقام تكون بحمل الظاهر على التأدب بأدب الشريعة من التنزيه لهذه الجوارح عما يخالف الأوامر الإلهية، وتحليتها بالخصال الحسنة والمحمودة وسنتطرق في هذا المقال إلى الجارحة الأولى وما ينبغي أن تنزه عنه وتحلى به وهو اللسان.
اللسان
إن اللسان وهو القطعة اللحمية الصغيرة الحجم سبب رئيسي في دخول جل أهل النار إليها وكذا جل أهل الجنة إليها، لأن اللسان وإن كان صغير الحجم إلا أنه كما قال بعض الحكماء صغير الحجم كبير الجرم، وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر، فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضته"2.
اللسان طريق إلى الله
إن اللِّسان من النعم العظيمة التي منَّ الله تعالى بها على الإنسان، قال عز وجل: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْن﴾(البلد:8-9)، وفي الحديث عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام أنه سئل عن الكلام والسكوت أيهما أفضل؟ فقال: "لكل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت، قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟
فقال: لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا وقيت النار بالسكوت، ولا تجنب سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام، ما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنك لتصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت3.
ومن وصية الإمام علي عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية:"وما خلق الله عز وجل شيئاً أحسن من الكلام ولا أقبح منه، بالكلام ابيضت الوجوه، وبالكلام اسودت الوجوه، واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فإن اللسان كلب عقور فإن أنت خليته عقر، ورب كلمة سلبت نعمة