( 18 سنة ) - العراق
منذ سنتين

التعاون والإحسان

ماهو التعاون والإحسان بالإسلام ؟


التعاون والإحسان في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد ، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره ، فالقرآن وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات عديدة على التعاون ، يقول في هذا الصدد : « وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى » (1). وقال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مشى في عون أخيه ومنفعته ، فله ثواب المجاهدين في سبيل اللّه » (2). تجدر الإشارة إلى أن الإنسان خلق وحده ضعيفا لا يقدر على شيء إلاّ إذا توفرت له ظروف التعاون مع غيره ، والقليل إلى القليل كثير ، والضعيف إذا ساند الضعيف قوى ، فالحياة الاجتماعية ما هي إلا تعاون أفراد المجتمع في سبيل توفير الطمأنينة النفسية لأفراده الذين يقعون تحت تأثير الحاجة أو الفزع أو القلق أو الاضطراب أو العجز عن تهيئة الامكانيات التي تعيد الطمأنينة النفسية إليهم ، من هنا تظل الحاجة إلى التعاون ماسة عبر الزمن. يروي إسحاق بن عمّار أنّه سمع الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : « يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش ، ومن سكت مات ، قلت : فما أصنع إنّ أدركت ذلك الزمان؟ قال : تعينهم بما عندك ، فإن لم تجد فبجاهك » (3). فالدعوة إلى التعاون ـ إذن ـ لازمة مهما تغير الزمان ، وتعاقبت الأجيال ، وتغيرت العادات والتقاليد واختلفت الظروف. أما الإحسان فهو قيمة عليا تؤدي إلى تنمية روح التكافل ، وتطلق الفرد من عقال الأنا أو (الذات) إلى مدارات إجتماعية رحبة ، وتجعله متضامنا مع إخوته وأبناء جنسه. وحقيقة الإحسان : هي التطوع بأعمال الخير التي لم يلزم _________________ (1) سورة المائدة : 5 / 2. (2) ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق : 288. (3) الكافي 4 : 46 / 1 ، باب النوادر من كتاب الزكاة. 22 بها الشارع المقدس. إن الإنسان المحسن هو الذي يمارس العطاء المالي ، أو يبذل جهودا إضافية في خدمة الناس ، والقرآن يحثّ على ذلك بقوله : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاْءِحْسَانِ وَإِيتَاىءِ ذِي الْقُرْبَى » (1) فنجد العطاء هنا مقروناً بالإحسان ، ونجد دائرة القرابة هي الأقرب من حيث الاستحقاق. ويقول الإمام علي عليه‌السلام : « رأس الإيمان الإحسان إلى الناس » (2). وينبغي التنويه على أن الحضارة المادية قد جعلت مقابل أيّ إحسان ثمنا ماديا يتلقّاه المحسن مقابل إحسانه ، أما الإسلام فلا يرى ذلك سليما ، لأنّه يدعو إلى إسقاط قيم الإيمان باللّه ورجاء ثوابه في اليوم الآخر ، ويؤدي إلى تضييع فكرة الإخوّة ، من هنا فقد جعل الإسلام معايير خاصة لتثمين جهود المحسن من خلال الدعوة إلى احترامه في وسط المجتمع ، وتقديره لاحسانه ، وفوق ذلك الثواب الجزيل الذي ينتظره في دار المعاد ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام « نِعمَ زاد المعاد الإحسان إلى العباد » (3). وكان آل البيت عليهم‌السلام يحثون أتباعهم على الإحسان بقدر الاستطاعة انطلاقا من حرصهم الدائم على توفير الأجواء المعيشية الكريمة بعيدا عن مبدأ الرّبح والخسارة الذي يشكل حجر الزاوية في الحضارة المادية المعاصرة. ومن الشواهد ذات الدلالة على تنمية أهل البيت عليهم السلام للشعور الاجتماعي __________________ (1) سورة النحل : 16 / 90. (2) عيون الحكم والمواعظ : 264. (3) عيون الحكم والمواعظ : 494. 23 تجاه المؤمنين ، ما قاله الإمام الصادق عليه‌السلام : « لأن أطعم مؤمنا محتاجا أحبّ إليّ من أن أزوره ، ولأن أزوره أحبّ إليّ من أن أعتق عشر رقاب » (1). إذن هنالك أولوية وتقدم رتبي لبعض أعمال الإحسان على بعض ، وإنّ لكلِّ عمل خيري ثوابه الخاص به حسب أهميته وبمقدار ما يدخله من نفع أو خدمة على المؤمنين ، والمثير في الأمر هنا أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام ينظر إلى قضية الإحسان من منظار أعمق وأرحب ، فهو يرى أنّ فضل المحتاجين عند الإحسان إليهم يكون أعظم من فضل المحسنين أنفسهم!. تمعّن جيدا في المحاورة التالية : عن حسين بن نعيم الصحّاف قال : قال أبو عبداللّه عليه‌السلام : « أتحبّ إخوانك يا حسين؟ قلت : نعم ، قال : تنفع فقراءهم؟ قلت : نعم ، قال : أما إنه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ اللّه ، أما واللّه لا تنفع منهم أحدا حتى تحبه. أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت : نعم ، ما آكل إلاّ ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر ، فقال أبو عبداللّه : أما إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم ، فقلت : أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم؟! قال : نعم ، إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك ، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك » (2). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) اُصول الكافي 2 : 203 / 18 ، باب إطعام المؤمن من كتاب الإيمان والكفر. (2) اُصول الكافي 2 : 201 ـ 202 / 8 ، باب إطعام المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.