النصيحة
النصيحة لمن وممن ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ 68 / الأعراف
النصيحة : كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له ، وليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة يجمع معناه غيرها ، وأصل النصح في اللغة الخلوص ، يقال : نصحته ونصحت له . وفي مقابله الغش .
و قال الراغب : النصح : تحرى قول أو فعل فيه صلاح صاحبه انتهى . وأصله الخلوص وهو خلاف الغش ويدل على أن خيانة المؤمن خيانة الله والرسول .
فالنصح للمؤمن هو إرادة الخير له قولا وفعلا ومعناه بالفارسية " خير خواهي " وضده الغش .
فنبي الله هود عليه السلام في هذه الآية كبقية الأنبياء من قبله ومن بعده جاءوا مبلغين رسالات ربهم وناصحين لأممهم في إرادة الخير فقبِلها من قبلها وأنكرها وردها من ردها من الأشقياء الذين لا يحبون الناصحين وكل ذلك لم يمنعهم من مواصلة تبليغ رسالاتهم ونصحهم لقومهم فهذه رسالتهم ومسئوليتهم . ولو سكت هؤلاء الأنبياء عن نصحهم لكانوا غاشين لأممهم ومتخلفين عن مسئوليتهم وحاشى لهم ذلك .
النصيحة ممن ؟
استمراراً لشيوع الخير في داخل الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس حث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الأمة وحملها مسئولية النصيحة بعضها للبعض الآخر وإرادة الخير للجميع وضمن لمن يتحمل هذه المهمة بالجنة فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن تميم الداري[1] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من يضمن لي خمسا أضمن له الجنة ، قيل : وما هي ؟ يا رسول الله .
قال : النصيحة لله عز وجل ، والنصيحة لرسوله ، والنصيحة لكتاب الله ، والنصيحة لدين الله و النصيحة لجماعة المسلمين )[2]
النصيحة لمن؟
1- النصيحة لله :
الله سبحانه غني مطلق وبيده ملكوت كل شيء فهو لا يحتاج إلى تقديم الخير إليه من أحد مهما كان . وحينئذ لابد من تفسير النصيحة لله بما يتناسب مع عظمة الله وكبريائه وما تعود المصلحة إلى الإنسان نفسه لذلك قيل أن معنى نصيحة الله : صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته
.
2- النصيحة لرسول الله :
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله هو الناصح الشفيق على أمته فكيف يكون منصوحاً وهو غير محتاج إلى الخلق في نصيحة أو غيرها قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ 36 / الأحزاب ، ولكن معنى النصيحة لرسول الله لا بد أن تفسر بما يتناسب مع علو مقامه فقيل : ومعنى نصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته ، والانقياد لما أمر به ونهى عنه .
3- النصيحة لكتاب الله :
كتاب الله هو النور الذي أنزله الله على رسوله الكريم لهداية الناس ، وهو الدستور الدائم للأمة الذي يجب عليها أن تأخذ به وتتبعه وتتمسك به وهو لا يحتاج إلى أحد بل هو الناصح والهادي للأمة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى ، أو نقصان من عمى )[3]
فالقرآن هو الناصح الأمين والهادي إلى سواء السبيل ويجب على الأمة أن تستنصحه ، فما هي النصيحة إليه حينئذ ؟ قيل :النصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه وجعله منهاجا ودستوراً يطبق على كل صغيرة وكبيرة قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم ، فان فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله .
واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل [4] مصدق ، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه ، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فانه ينادي مناد يوم القيامة : ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته وأتباعه ، واستدلوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه آراءكم ، واستغشوا فيه أهواءكم