مريم ( 17 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير

ما تفسير (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١١ - الصفحة ٤٨٧-٤٨٩: وفي الآية الرابعة - من الآيات محل البحث - يرد القرآن على اتهام آخر كان الكفار يرمون به النبي فيدعونه شاعرا، كما في الآية (5) من سورة الأنبياء بل هو شاعر وربما دعوه بالشاعر المجنون، كما جاء في الآية (36) من سورة الصافات ويقولون أإنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون. فالقرآن يردهم هنا ببيان بليغ منطقي، بأن منهج النبي يختلف عن منهج الشعراء. فالشعراء يتحركون في عالم من الخيال، وهو يتحرك على أرض الواقع والواقعيات، لتنظيم العالم الإنساني ... المزید والشعراء يبحثون عن العيش واللذة والغزل (كما هي الحال بالنسبة لشعراء ذلك العصر في الحجاز خاصة حيث يظهر ذلك من أشعارهم بوضوح). ولذا فإن أتباعهم هم الضالون: والشعراء يتبعهم الغاوون. ثم يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقبا ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. (2) فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية، حتى أن القوافي تجرهم إلى هذا الاتجاه أو ذاك، ويهيمون معها في كل واد... وهم غالبا ليسوا أصحاب منطق واستدلال، وأشعارهم تنبع مما تهيج به عواطفهم وقرائحهم... وهذه العواطف تسوقهم في كل آن من واد لآخر!... فحين يرضون عن أحد يمدحونه ويرفعونه إلى أوج السماء، وإن كان حقه أن يكون في أسفل السافلين، ويلبسونه ثوب الملاك الجميل وإن كان شيطانا لعينا... ومتى سخطوا على أحد هجوه هجوا مرا وأنزلوه في شعرهم إلى أسفل السافلين، وإن كان موجودا سماويا. ترى هل يشبه محتوى القرآن الدقيق المنطلقات الشعرية أو الفكرية للشعراء وخاصة شعراء ذلك العصر، الذين لم تكن منطلقاتهم إلا وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم... ثم إن الشعراء عادة هم رجال خطابة وجماهير لا أبطال قتال، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال، لذلك فإن الآية التالية تضيف فتقول عنهم: وأنهم يقولون ما لا يفعلون. غير أن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل عمل من قرنه إلى قدمه، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجيبة حتى أعداؤه، فأين الشاعر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! ومما تقدم من الأوصاف التي ذكرها القرآن عن الشعراء، يمكن أن يقال بأن القرآن وصفهم بثلاث علامات: الأولى: أنهم يتبعهم الغاوون الضالون، ويفرون من الواقع، ويلجؤون إلى الخيال. والثانية: أنهم رجال لا هدف لهم، ومتقلبون فكريا، وواقعون تحت تأثير العواطف! والثالثة: أنهم يقولون مالا يفعلون... وحتى في المجال الواقعي لا يطبقون كلامهم على أنفسهم... إلا أنه لا شئ من هذه الأوصاف يصدق على النبي، فهو في الطرف المقابل لها تماما! ولما كان بين الشعراء أناس مخلصون هادفون وأهل أعمال لا أقوال، ودعاة نحو الحق والصدق " وإن كان مثل هؤلاء الشعراء قليلا يومئذ ". فالقرآن من أجل ألا يضيع حق هؤلاء الشعراء المؤمنين المخلصين الصادقين، استثناهم عن بقية الشعراء، فقال عنهم: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. هؤلاء المستثنون من الشعراء لم يكن هدفهم الشعر فحسب، بل يهدفون في شعرهم أهدافا إلهية وانسانية، ولا يغرقون في الأشعار فيغفلون عن ذكر الله، بل كما يقول القرآن: وذكروا الله كثيرا. وأشعارهم تذكر الناس بالله أيضا... وإذا ما ظلموا كان شعرهم انتصارا للحق وانتصروا من بعدما ظلموا. فإذا هجوا جماعة هجوهم من أجل الحق ودفاعا عن الحق الذي يهجوه أولئك فيذبون عنه... وهكذا فقد بين القرآن أربع صفات للشعراء الهادفين، وهي الإيمان، والعمل الصالح، وذكر الله كثيرا، والانتصار للحق من بعدما ظلموا، مستعينين بشعرهم في الذب عنه. دمتم في رعاية الله

2