الرقص مع الحياة ( 27 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تهاوي الدين الإسلامي بعد وفاة الرسول الكريم

ما اسباب عدم الحفاظ على الدين الإسلامي بعد وفاة الرسول الكريم؟ وهل ما يوجد اليوم من تعاليم الدين الإسلامي نفسها في زمان الرسول؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا ١- ومن خلال تتبّع الروايات نجد أنَّ الإنحراف عن نهج رسول الله صلّى الله عليه وآله والإبتعاد عن المفاهيم والقيم الإسلاميّة المعبّر عنه بالإرتداد والرجوع على الأعقاب والتقهقر ، قد عمّ عدداً كبيراً من الصحابة الذين صحبوا رسول الله صلّى الله عليه وآله صحبة ليست بالقصيرة ، وقد عبّر صلّى الله عليه وآله عن كثرتهم بالقول : « بينا أنا قائم إذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هَلُمَّ ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلتُ : وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم ... قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم » والروايات المتقدّمة تنصّ على أنّ المتسائل هو رسول الله صلّى الله عليه وآله والمجيب غيره ، ٢-جرت أحداث جسام بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله ) لم تُنس علياً إنه الوصيّ على هذه الأمة، فإذا كانت بيعة الخليفة أبي بكر قد رفعت بعض ما عليه من تكليف ومسؤولية إلا أن التزامه بوصايا رسول الله(صلى الله عليه وآله ) وحرصه العميق على الرسالة جعلته في قلب المسؤلية، أليس هو أو المؤمنين بالرسالة وأكثر المدافعين عنها وأشد المضحين لها. هذان الأمران وصايا الرسول والرسالة جعلا من أمير المؤمنين في طليعة المدافعين عن الكيان الإسلامي وكلما تحسس بالخطر استشعر بالمسؤولية تجاه الدين. وبعد غياب النبي(صلى الله عليه وآله) أحدقت الأخطار شيئاً فشيئاً بالكيان الإسلامي مما دفعت بالإمام إلى تغيير سياسته إزاء السلطة، فكان على أعلى درجات من الإيجابية إلى درجة اصبح منافسيه بالأمس يستشيرونه في أمور البلاد، ويتقربون إليه ويتمنون أن يتحمل جزءاً من أعباء مسؤولياتهم في الحكم، فلم يشكوا في نواياه ولم ينظروا إليه نظرة الريبة بعد أن وجدوه أعلا شأناً من أن يتنافس على حطام الدنيا. والذي ليس في اهتمامه إلا إعلاء الدين ورفعةالمسلمين وحسب. وأكبر دليل على صدق نوايا أمير المؤمنين هو موقف الخليفة عمر بن الخطاب من الإمام يوم أعلن قائلاً لولا علي لهلك عمر ولا جعلني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن فهذه العبارة تدل على مدى ما بلغه الإمام من الإيجابية في علاقته مع الخليفة على رغم ما لديه من تحفظات وإشكالات، كل ذلك من أجل المصلحة العامة، وإنطلاقاً من هذا الموقف اتخذ الإمام علي (عليه السلام) سياسة مبنية على الأهداف التالية: 1- صيانة وحدة الصف الإسلامي. 2- إسداء النصحية والمشورة للخلفاء. 3- المساهمة في الأعمال الإيجابية. 4- الدفاع عن الكيان الإسلامي. 5- المراقبة المتواصلة والمحاسبة البناءة. ٣- النبي(صلى الله عليه وآله) حينما أحس بدنو أجله كان على بصيرة مما سيجري بعد غيابه، فكان يقرأ ما في نفوس البعض من رغبة جامحة إلى السلطة. وكان يخشى أن يؤدي ذلك إلى صراع وحروب داخلية تقوض الكيان الإسلامي الناشئ، فقد حاول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في أيامه الأخيرة أن يرتب أمراً يدرأ به مخاطر المستقبل فجهز جيشاً لحرب الروم وأعطى زمام الجيش إلى أسامة بن زيد وطلب من المهاجرين والأنصار اللحاق بجيش أسامة مؤكداً لزعماء المهاجرين عدم تخلفهم عنه، وذكر ابن سعد أن مرض النبي(صلى الله عليه وآله ) ابتدأ يوم الأربعاء وعقد لأسامة يوم الخميس وكان يخرج للمسلمين وهو معصوب الرأس ويخطب بهم ويقول انفذوا بعث اسامة يكررها كل يوم ثلاث مرات. وقد فسر الشيخ المفيد أن النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكن يريد الحرب بل كان يريد إبعاد القوة العسكرية وقادتها عن المدينة وذلك لأبعادهم عن دائرة التوتر التي قد تنشأ بعد وفاته. وعندما أحس النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بتخلف البعض عن جيش اسامة أرسل إليهم كما نقل عن عبد الله بن مسعود وتكلم بكلماته الأخيرة ومما قال لهم على رواية ابن عباس فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي أبداً فدب النزاع بين الأصحاب بين قائل يقول ما شأنه أهجر استفهموه وأخذوا يكررون هذه العبارة وقد أدركوا ماذا يريد أن يكتب لهم، فانصرف النبي(صلى الله عليه وآله) عن عزمه وسكت ولم يظهر ما كان يريد. وارتحل النبي(صلى الله عليه وآله) إلى العالم الآخر وتحققت التوقعات وتسارعت السيقان وهي تحمل المهاجرين والأنصار إلى سقيقة بني ساعدة لانتخاب الخليفة والنبي(صلى الله عليه وآله) لازال مسجى وحوله عليّ والعباس وأهل البيت مشغولون بتغسيله وتكفينه، واحتدم التنافس في السقيفة بين الأنصار والمهاجرين ولم يسأل أحد نفسه كيف يمكن أن ينتخب خليفة لرسول الله(صلى الله عليه وآله ) وهناك الكثير من المهاجرين لم يخبروا بالأمر؟ بل كيف يمكن أن يجري هذا الانتخاب في غياب أقرب الناس إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه؟ وهل سأل أحد ممن حضر السقيفة هذا السؤال؟ هل من الإنصاف ترك جثمان رسول الله(صلى الله عليه وآله) مسجى على الأرض والإنشغال بالانتخابات؟ أما كان هناك متسع من الوقت بعد التفرغ من دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله )؟ أما كان من حق النبي(صلى الله عليه وآله) وهو الذي قدم كل حياته من أجل الإسلام والمسلمين قليلاً من التأخير؟ أما كان من الأفضل الإنتظار حتى يتمكن بنو هاشم الذين كانوا مشغولين في تجهيز رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من المشاركة في الإقتراع. ومضت الأمور في سقيفة بني ساعدة مصنفة المسلمين إلى ثلاثة تيارات تيار الأرستقراطية القرشية وهي تمثّل طبقة المهاجرين الذين كانوا يزاولون التجارة وكان بأيدي هذه الطبقة الأموال الكثيرة بالإضافة إلى أنها كانت تشكل القوة الضاربة في الجيش الإسلامي، والتيار الثاني هو الحزب الأموي بزعامة أبي سفيان، أما الصنف الثالث فهو تيار بني هاشم مع مجموعة من المهاجرين وقد انضم إليهم جمع غفير من المستضعفين والمحرومين. وكانت التوقعات كلها تشير ومنذ البداية إن التيار الأول سيفوز بمنصب الخلافة بسبب قدراته المالية الهائلة كما وإنه يمتلك القوة العسكرية التي أوجدت لديه شعوراً مفعماً بالقوة والرغبة في التنافس. أما الحزب الأموي فقد كان منبوذاً يومذاك، إذ لم يمرّ على دخول أبو سفيان وأبناءه الإسلام سوى أعوام قليلة وهي غير كافة لأن تعطي لهذا الحزب شرعية التنافس على الخلافة. أما التيار الثالث فقد كان مشغولاً بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) غائباً عن مكان الإنتخاب. وانتشر خبر الإجتماع المعقود في السقيفة وتسللت إلى بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبلغت مسامع الإمام علي (عليه السلام) وأصحابه فغضب البعض، أما أبو سفيان فقد سارع إلى علي قائلاً له أبسط يدك أبايعك فو الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجلاً. فزجره الإمام علي (عليه السلام) وقال والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة وإن والله طالما بغيت للإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك(3). ونتوقف هنا هنيئة للبحث عن الأهداف والدوافع التي بيتها أبو سفيان عندما تقدم لمبايعة الإمام علي (عليه السلام) وسر ذلك الموقف الصلب الذي وقفه الإمام. يبدو أن الحزب الأموي من ذلك اليوم كان يخطط للوثوب على السلطة واسترجاع الزعامة التي كانت لهم في مكة. وكان من الطبيعي أن تصطدم هذه الرغبة بوجود النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحياة لكن الآن وبعد غيابه فقد وجد أبو سفيان الفرصة السانحة لأن يقرع الأبواب الموصلة إلى الزعامة والنفوذ. وكان الحزب الأموي يراهن على علي بن أبي طالب الأوفر حظاً من غيره في الخلافة لوصايا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) به ولأن مؤهلاته تجعله المفضل على الأخرين، ولأن الحزب الأموي يومذاك كان ضعيفاً فكان لابد له أن يتحالف مع أحد الجناحين الآخرين ولاعتقاد أبي سفيان بأن الأمر سيكون لعلي بن أبي طالب، فقد سارع وقبل أن تفوت الفرصة وأقبل لمد يده لبيعة الإمام علي (عليه السلام). وكان باستطاعة الإمام أن يستجيب لأبي سفيان وأن يستفيد من القوة التي يشكلها الحزب الأموي للمطالبة بحقه في الخلافة، إلآ أنه رفض هذا العرض أولاً لأن وراءه أهداف غير صادقة وثانياً لأن الإمام يرفض مثل هذه الأساليب الملتوية في إقرار حقه بالخلافة. فقد كان الإمام (عليه السلام) ملتزماً باستراتيجية واضحة تخطت مساحة تحركه وتحرك أصحابه وأهل بيته وهي صيانة الكيان الإسلامي والتضحية بالمصالح الخاصة من أجل المصلحة العامة وهو موقف أثار اعجاب كل من دون لهذه الفترة من التأريخ الإسلامي.… دمتم في رعاية الله