( 18 سنة ) - العراق
منذ سنتين

حق الله

ما حق الله الأكبر ؟


قال علي بن الحسين (ع) : «فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده ، لا تشرك به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحب منها» (1) . والعبادة لغةً ، هي غاية التذلل والخضوع ، لذلك لا يستحقها إلا المنعم الأعظم الذي له غاية الافضال والانعام ، وهو الله عزوجل . واصطلاحاً هي : المواظبة على فعل المأمور به . وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر : إن الله عزوجل جعلها الغاية الكبرى من خلقهم وإيجادهم ، حيث قال : «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين» (الذاريات : 56 ـ 58) . وبديهي أن الله تعالى غني عن العاملين ، لا تنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم ، ولا تضره معصية العصاة وتمردهم ، وإنما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة ، الموجبة لتكاملهم وإسعادهم . فمن خصائص العبادة : أنها من أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الإيمان في المؤمن ، لتذكيرها بالله عزوجل ورجاء ثوابه ، والخوف من عقابه ، وتذكيرها بالرسول الأعظم ، فلا ينساه ولا ينحرف عنه . فإذا ما أغفل المؤمن عبادة ربه نساه ، وتلاشت فينفسه قيم الإيمان ومفاهيمه ، وغدا عرضة للإغواء والضلال . فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظل المسلمون في ظلالها الوارفة الندية ، والعبادة هي الي تصونها وتمدها بعوامل النمو والازدهار . والعبادة بعد هذا من أكبر العوامل على التعديل والموازنة ، بين القوى المادية والروحية ، التي تتجاذب الإنسان وتصطرع في نفسه ، ولا تتسنى له السعادة الهناء إلا بتعادلها . ذلك ، أن طغيان القوى المادية واستفحالها يسترق الإنسان بزخارفها وسلطانها الخادع ، وتجعله ميالاً إلى الأثرة والأنانية ، واقتراف الشرور والآثام ، في تحقيق أطماعه المادية . فلا مناص ـ والحالة هذه ـ من تخفيف جماح المادة والحد من ضراوتها ، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الإنسان ، وإمداده بطاقة روحية ، تعصمه من الشرور وتوجهه وجهة الخير والصلاح . وهذا ما تحققه العبادة بإشعاعاتها الروحية ، وتذكيرها المتواصل بالله تعالى ، والدأب على طاعته وطلب رضاه . والعبادة الروحية بعد هذا وذاك : اختيار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه . فالإيمان سر قلبي مكنون ، لا يتبين إلا بما يتعاطاه المؤمن من ضروب الشعائر والعبادات ، الكاشفة عن مبلغ إيمانه وطاعته لله تعالى . وحيث كانت العبادة تتطلب عناءاً وجهداً ، كان اداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوة الإيمان ورسوخه ، وإغفالها دليلاً على ضعفه وتسيبه . فالصلاة . . . كبيرة إلا على الخاشعين . والصيام . . كف النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس . والحج . . يتطلب البذل والمعاناة في أداء مناسكه . والزكاة . . منح المال الذي تعتز به النفس وتحرص عليه . والجهاد : هو الإقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب ، وكلها أمور شاقة على النفس . من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها برهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته لله عزوجل .

1