عبّر الإمام زين العابدين (عليه السلام) بـ (الشام الشام) عندما سئل عن أعظم المصائب -على فرض صحة هذا القول وأنه منسوب إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام)-؛ وذلك لشدّة ما وقع عليه وعلى عمّاته ومن رافقهم من صبية ونساء بني هاشم وصحابتهم الكرام، فقد وقع عليهم ما يفوق الوصف ويحيّر أرباب العقول والقلوب، فقال (عليه السلام) مخاطباً الناس: "أيُّهَا النّاسُ، أصبَحنا مَطرودينَ مُشَرَّدينَ، مَذودينَ شاسِعينَ عَنِ الأَمصارِ كَأَنَّنا أولادُ تُركٍ أو كابُلَ، مِن غَيرِ جُرمٍ اجتَرَمناهُ، ولا مَكروهٍ ارتَكَبناهُ، ولا ثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ ثَلَمناها، ما سَمِعنا بِهذا في آبائِنَا الأَوَّلينَ «إِنْ هَـذَا إِلَا اخْتِلَـقٌ »، وَاللّهِ لَو أنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) تَقَدَّمَ إلَيهِم في قِتالِنا كَمّا تَقَدَّمَ إلَيهِم فِي الوِصايَةِ بِنا، لَما زادوا عَلى ما فَعَلوا بِنا، فَإِنّا للّه ِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ، مِن مُصيبَةٍ ما أعظَمَها، وأوجَعَها وأفجَعَها، وأكَظَّها، وأفظَعَها، وأمَرَّها، وأفدَحَها، فَعِندَ اللّه ِ نَحتَسِبُ فيما أصابَنا وأبلَغَ بِنا، إنَّهُ عَزيزٌ ذُو انتِقامٍ". (الملهوف: ص226).
ولقد قاست مولاتنا زينب (سلام الله عليها) من المصائب وآلام ما لا يوصف، فهي التي تحملت مسيرة النهضة بعد استشهاد أخيها السبط، فانتقلت رعاية الركب الحسيني بنسائه وأطفاله إلى رعايتها بالخصوص بعد أن كانت الرعاية في مسؤولية أخيها (عليه السلام) وباقي إخوتها، فلقد قادوها من كربلاء إلى الشام أسيرة ومسبية في رحلة شاقة، فالضرب بالسياط و الزجر هي اللغة السائدة، فكانت في مصيبة وانتقلت إلى مصيبة أشد، عاشت فصول من الترويع والترهيب والتهديد من حرق الخيام وسلبها، وترويع النساء وجلدها، وفرار الأطفال على وجوههم في البيداء ومسيرة شاقة من كربلاء إلى الشام، لاقت فيها جميع أنواع العذاب النفسي والجسدي.
وتعرَّض سبط ابن الجوزي في تذكرته إلى ما ذكره جدُّه، فقال:
وقال جدِّي: ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين (عليه السلام)، وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر، وحمل الرؤوس إليه، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه، وحمل آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا على أقتاب الجمال، وعزمه على أنْ يدفع فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) إلى الرجل الذي طلبها، وإنشاده أبيات ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدوا . . . . . . . . . . . . . . (نور ملكوت القرآن: ج١، ص65).
قيل أن عدد السبايا عشرون امرأة عدا الصبية، وقد سيروهن على الجمال بغير وطاء، وساقوهن بكل عنف وشدّة، ولقد طيف بهم مدناً كثيرة يقودهم الرأس المقدس إلى أن وصلوا دمشق الشام في رحلة شاقة مضنية، وهناك بدأت فصول آخرى من الترويع والتشمت بأهل هذا البيت الطاهر.
فمن هذه المصائب يتضح معنى ودلالة قول الإمام زين العابدين (عليه السلام).