Ahmed Salman ( 24 سنة ) - العراق
منذ سنتين

اهدنا الصراط المستقيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال / لماذا نقول في كل صلاة اهدنا الصراط المستقيم ؟ فهل يعقل أننا لم نصل للهداية ولحد الأن نطلبها؟!


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا الآية الشريفة (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) عند التأمل فيها نجد ان ظاهر الآية واضح جداً وهو الدعاء بان يهدينا الله تعالى إلى الصراط المستقيم، ولكنّ وراء هذا الظاهر تكمن العشرات من الأسئلة والبحوث،فقد يثار عند التدبر في الآية الشريفة تساؤل هام وهو ان تحصيل الحاصل محال وطلب الحاصل لغو بل قد يقال باستحالته فانك إذا كنت جاهلاً بالمسألة صح أن نقول للمعلم: علمني المسألة اما إذا كنت عالماً بها فلا يصح حقيقةً أن تقول: علّمنيها، إلا مجازاً أو مجاملةً أو توريةً أو شبه ذلك، وفي الآية الشريفة التي نقرأها كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة في الصلوات، والكثير يقرأها في النوافل وغيرها مراراً كثيرة جداً، فان الذي يدعو بهذا الدعاء (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) لو كان هو الكافر لصح منه ومن الضال عن الإمامة مثلاً، لكن كيف يقرأها ويتلوها ويدعو بها المهتدي إلى الصراط المستقيم؟ ذلك ان المفروض ان المؤمن بأصول الدين بدءً بالتوحيد ومروراً بالعدل والنبوة والإمامة ووصولاً للمعاد هو مهدي للصراط المستقيم البتة، فكيف يدعو هذا الإنسان ويسأل من الله تعالى بان يهديه الصراط المستقيم؟. بل ان هذا الدعاء يدعو به وهذا الآية يقرأها حتى الأولياء بل وحتى الأئمة ورسوله الله صلى الله عليه واله وسلم ودعاؤهم حقيقي وليس مجرد لقلقة لسان أو صورة دعاء! فما هو إذاً معنى هذا الطلب الذي يجب علينا (وعلى جميع المسلمين والمؤمنين) ان نكرره كل يوم في الصلوات الخمس؟ وكيف يمكن حل المعضلة؟ وقد ذكر العلماء عدة أجوبة عن ذلك من ومنها: الجواب الأول : ان (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) هو دعاء وطلب للهداية في مرحلة العِلّة المبقية والمراد طلب الديمومة والاستمرارية في البقاء على الصراط المستقيم وليس الكلام عن العِلّة المحدثة فانها الحاصلة اما المبقية فغير حاصلة لذا احتاجت إلى طلب ودعاء وإلحاح وتوضيح ذلك: ان الهداية كسائر مخلوقات الله تعالى من الرزق والعمر والوجود كله، مما تحتاج إلى الإفاضة آناً فآناً فهي كنهر الماء المتجدِّد الذي ظاهره أمر واحد لكنه في واقعه تمرّ عليك في كل لحظة قطرات جديدة ومياه جديدة يتصورها الساذج هي نفس السابقة الآتية.. فالإنسان المهتدى بالفعل إلى الصراط المستقيم والمؤمن بالفعل بالله ورسوله وأنبيائه وأوصيائه، لا يعلم انه سيبقى على الإيمان بعد شهر أو حتى بعد أسبوع بل حتى بعد يوم بل بعد ساعة بل حتى بعد لحظة.. ويشهد لذلك: اننا كثيراً ما نجد الشخص المؤمن يسقط سقوطاً مدوياً في ثانية واحدة – أعاذنا الله وإياكم – في امتحان مالٍ (ورشوة واختلاس أو ربا أو غير ذلك) أو منصب أو شهرة أو شهوة أو نزوة أو غير ذلك، وما قصة بلعم بن باعورا منكم ببعيدة (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وذلك يعني انه لا ضمان أبداً للمؤمن سابقاً وفي الحال الحاضرة، ان يبقى مؤمناً في مستقبل الأيام والأعوام.. لذلك استدعى ذلك ضرورة الدعاء بل والإلحاح بالدعاء بان نقول ونكرر (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) والتي تعني اهدنا في اللحظات الآتية إلى الصراط المستقيم كما هديتنا إليه في الماضي والحاضر، أي أَدِم لنا هذه النعمة الكبرى. وذلك هو صريح كلام الإمام العسكري عليه الصلاة والسلام قال: ((فِي قَوْلِهِ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قَالَ: يَقُولُ: أَدِمْ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أَيَّامِنَا حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا...)). الجواب الثاني: ان المراد بـ(اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) الهداية إلى الدرجات العليا من المعرفة والورع والتقوى والطاعة. وقد ورد في العديد من الروايات تفسير الصراط المستقيم بـ(المعرفة) أو (الطاعة) أو هما معاً ففي تفسير القمي عن الإمام الصادق عليه السلام: ((الطريق ومعرفة الإمام)). الجواب الثالث: الهداية التكوينية اننا عندما نكرر (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فاننا نطلب بذلك من الله تعالى الهداية التكوينية بعد الهداية التشريعية أي بعد الاهتداء إلى طريق الحق وتمييزه عن الباطل وإلى الواجب والحرام والهدى والضلال، نطلب ان يتفضل الرب علينا بالهداية التكوينية أيضاً. وللهداية التكوينية معان وتجليات ومنها التوفيق الذي يقابله الخذلان. وتوضيح ذلك: ان الهداية على قسمين: الأول: إراءة الطريق. الثاني: الايصال إلى المقصود. فقد يسألك أعمى عن الطريق فتقول له أذهب إلى اليمين ثم واصل المسير بمقدار ألف خطوة ثم انحرف يساراً.. وهكذا فهذا هو إراءة للطريق، وقد تمسك بيده حتى توصله إلى المقصود. والإنسان بحاجة إلى كلا القسمين من الهداية، والقسم الأول قد تحقق بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبالقرآن الكريم وكلمات المعصومين عليهم السلام فبمجرد وجود القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية وسائر الأحاديث بيننا فقد تمّت الحجة علينا وجرى الإبلاغ النوعي وإراءة الطريق.. ولكن هل يكفي ذلك لكي نكون من أولياء الله؟ بل هل يكفي لأن يهتدي بذلك أكثر الناس؟ والجواب كلا.. ألا ترون أكثرنا لم يقرأ القرآن الكريم بتبصر وتفهم؟ لماذا؟ فمع اننا نذعن بان هذه الكتب هي أعظم الكتب المقدسة على الإطلاق ونؤمن بان فيها مفاتيح النجاح في الدنيا ومفاتيح الفلاح في الآخرة، مع ذلك قد تمضي علينا عشرون سنة أو خمسون أو ستون ونحن لم نقرأها لا لعدم قدرتنا على القراءة مثلاً بل للانشغال بهوامش الحياة الدنيا. لماذا ننشغل بالهوامش، ونتناسى أعظم الكتب المقدسة؟ فلماذا إذاً نترك بذل الوقت على أعظم الجواهر الربانية لننشغل بغير المهم بل بالتوافه من الأمور؟ لماذا؟ هل لأننا لا نعلم؟ كلا.. هل لأننا شاكّون؟.. كلا.. هل لأن البدائل التي تفوّت علينا القرآن والنهج والصحيفة هي بدائل اضطرارية لو لم ننشغل بها لهجم العدو علينا مثلاً واحتل بلادنا وسفك دماءنا؟ أو هل لأننا لو انشغلنا بها لأدى ذلك إلى تهشّم عظامنا وقطع أيدينا وفقأ أعيننا؟ كلا، ثم كلا وكما هو واضح، بل القارئ للقرآن والنهج والصحيفة بتدبّر وتبصّر وتفكّر واعتبار يكون الأفضل والأقوى والأكمل.. ويكون هو الحائز على المكرمات من أطرافها.. ويكون هو الأقرب لأن يحظى بالأمن والحفظ والتقدم والازدهار؟ الجواب عن ذلك – في معظمنا – إلا للخذلان وسلب التوفيق، والتوفيق هو الهداية التكوينية التي نتحدث عنها الآن ونطلب من الله تعالى بإلحاح ان يمنحناه في دعائنا بإصرار إذ نكرر ثمّ نكرر الدعاء (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) أي هدايةً تكوينية بالتوفيق لما تحب وترضى إضافة للهداية بمجرد إراءة الطريق. وفي رواية الإمام الصادق عليه السلام إشارات عديدة للمعاني السابقة: قال: ((قَالَ يَقُولُ أَرْشِدْنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتِكَ وَالْمُبَلِّغِ إِلَى دِينِكَ وَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِكَ)) فقوله عليه السلام: ((أَرْشِدْنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ)) إشارة للهداية بمعنى إراءة الطريق. وقوله عليه السلام: ((أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِيقِ)) إشارة للعلّة المبقية والديمومة على الهداية، وقد يكون إشارة للمراتب التشكيكية للعليا والإرشاد لها مرة بعد أخرى في قوله عليه السلام: ((الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتِكَ وَالْمُبَلِّغِ إِلَى دِينِكَ)) نظراً إلى ان محبة الله تعالى ذات مراتب لا متناهية وان البلوغ إلى دينه درجات وأنواع، فلزومه مساوق للتكامل والصعود والترقي دائماً وأبداً. فتأمل وقوله عليه السلام: ((وَالْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِكَ)) إشارة للهداية التكوينية لظهور قوله عليه السلام: ((المَانِعِ)) فيها لكن لا عن جبر بل مع حفظ الاختيار وهو المسمى بالتوفيق فانه مانع اقتضائي وليس علّياً. ولذلك كله ولغيره أيضاً كان علينا ان نبتهل إلى الله تعالى دائماً قائلين (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فإذا دعونا الله تعالى حقاً وبصدق وانقطاع وبإلحاح وإصرار ووسّطنا سادات الكون وأئمة الورى فان الله بلطفه وكرمه سيغير سوء حالنا بحسن حاله، أو ينقلنا من نجاح إلى نجاح أعظم ومن خير إلى خير أكبر ومن مرحلة من مراحل الهداية إلى مرحلة أسمى وأعلى، وما ذلك على الله بعزيز. منقول بتصرف . دمتم في رعاية الله

5