لماذا قصة نبي الله موسى هي الاكثر تكراراً في القران؟
أغراض التكرار (بالقصص القرانية وبالأخص قصة النبي موسى عليه السلام )المقصودة منه، هي: أولاً: تثبيت عقيدة التوحيد ونشرها في قوم لم يكلّفوا قط بشريعة لوجودهم في فترةٍ من الرسل والأنبياء المنذرين؛ ولذا قال تعالى: (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ)فهؤلاء القوم لسبب تعاقب الدهور عليهم، وبسبب ما اعتادوا عليه وورثوه من آباءهم وأجدادهم من عبادة غير الله، تأصلت وتجذرت فيهم عقيدة الشرك؛ لذلك نراهم يستغربون ويتعجبون فيما إذا قيل لهم إنّ الله واحد لا شريك له، قال تعالى في شأنهم في الآية الكريمة: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) إنّهم بهذه العقيدة وبهذا الجهل المطبق، فلا يحوّل ولا يبدل هذا الاعتقاد، إلا بتأكيد وبتكرار ما يقابله من التوحيد لله تعالى، وبنفي كل ما يعبدونه من دون الله، وذلك من خلال الأدلة والبراهين، وتأكيدها وتكرارها؛ لترسيخها في نفوسهم إلى أن تكون هي العقيدة الأساس والأصل في نظامهم وتشريعهم وعملهم خلال مسيرتهم في الحياة فبتكرار معاني التوحيد التي تحملها القصص القرآنية سوف تنطبع هذه المعاني في النفوس وتصبح ملكات ثابتة بعدما كانت تلك العقائد الفاسدة في عباداتهم منطبعة وثابتة في نفوسهم، وهذا أحد أسباب تكرار القصة في القرآن الكريم. ثانياً: إنّ التكرار في القصص لا يكون بجميع ألفاظها، وإنما في بعض أجزائها،(إنّ تكرار القصّة لم يأتِ في القرآن الكريم بشكل يتطابق فيه نص القصة مع نص آخر لها، بل كان فيها شيء من الزيادة والنقيصة وإنما تختلف الموارد في بعض التفاصيل وطريقة العرض لأن طريقة عرض القصة القرآنية قد تستبطن مفهوماً دينياً يختلف عن المفهوم الديني الآخر الذي تستبطنه طريقة عرض أخرى. وهذا الأمر الذي نسميه بالسياق القرآني يقتضي التكرار أيضاً لتحقيق هذا الغرض السياقي الذي يختلف عن الغرض السياقي الآخر لنفس القصة) فإذن هذا التكرار للقصة له معنى يزيد على الموضع الأول؛ ليحقق معنىً إضافي إليه، ومقصداً أو غايةً أخرى في تحقيق أهداف القصة القرآنية. ثالثاً: إنّ التكرر في القصة راجع إلى التفاوت الموجود عند البشر بمستوياتهم المختلفة في الفهم والإدراك، مع اختلاف أمزجتهم وطباعهم، فمن الناس مَن يدرك الحقيقة بصورة أسرع وأعمق من غيره، فتُكَرَر القصة في القرآن الكريم بأساليب مختلفة وبعبارات متنوعة؛ لتصل معانيها ومضامينها إلى جميع مستويات الناس مع اختلافهم في ثقافاتهم وعلومهم. رابعاً: ربّما يكون التكرار للقصة في القرآن، هو أن الإتيان بمثله لا يكون، ولا يمكن إلاّ لنفس القرآن، فيذكر القصة بنحو آخر مرة ومرات؛ ليعرف من يحتمل الإتيان بمثله، حتى يحصل عنده الجزم والقطع بأنّه لا يمكن الإتيان بمثله وبمثل هذه القصص إلا القرآن الكريم عن طريق تكرارها مرات متعددة وكثيرة بألفاظ وتراكيب قد استعملها القرآن الكريم دون قدرة أحد من الناس على ذلك، فهذا التكرار لأجل إثبات اختصاص القرآن الكريم بالإتيان بمثله وعجز غيره عن ذلك. وقد ذكرا الزكشي والسيوطي أنّ من أسباب تكرار القصة القرآنية، وهو أنّه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا، ثم أوضح الأمر في عجزهم، بأن كرر ذكر القصة في مواضع أعلاماً بأنّهم عاجزون عن الإتيان بمثله، أي بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبّروا و أما ورد التكرار في قصة نبي الله موسى(عليه السلام) لبعض مقاطعها في موارد كثيرة من سور القرآن، حيث أن نبي الله موسى من أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن الكريم مما يدل على علو منزلته عند الله تعالى وعظمة مواقفه وكثرتها في تثبيت دين الله الحق والقضاء على الكفر والباطل فتكررت بعض المقاطع والمواقف في قصته(عليه السلام) لتأكيد دين الله الحق وتقريره في نفوس الذين لم يتبعوا أهواءهم ولم يعاندوه ولنذكر نموذجاً في تكرار قصتهِ(عليه السلام) مع فرعون والسحرة فمثلاً ذكرت هذه القصة في سورة الأعراف مثلا وكلما تتكرر في مواضع أخرى تأتي بصياغة وبأسلوب آخر لتعطي فوائد أكثر إضافة إلى المعاني المشتركة في كل المواضع.