السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا
إن اتباع أهل البيت قد تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن الأئمة الطاهرين، (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، أن زوال الشمس يؤذن بدخول وقت صلاتي الظهر والعصر معاً، إلا أن صلاة الظهر قبل صلاة العصر.
وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت الصلاتين، إلا أن هذه قبل هذه»
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً، قوله : «إذا غربت الشمس، دخل وقت الصلاتين، إلا أن هذه قبل هذه»
وثمة حديث آخر عن الإمام الرضا (عليه السلام) في ذلك
كما أن القرآن الكريم، قد حدد ثلاثة أوقات فقط، سياتي الكلام عن بعض الايات التي تدل على تحديد ثلاث اوقات للصلاة مع مناقشة الرازي صاحب التفسير الكبير
ومعنى هذا هو أن صلاتي الظهر والعصر يشتركان في الوقت، وكذلك المغرب العشاء، لكن يجب تقديم الظهر على العصر والمغرب على العشاء ..
كما أن الروايات متضافرة وكثيرة من طرق المخالفين والشيعة في أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قد جمع بين الصلاتين، من دون عذر ومن دون سفر، أو مطر.
فقد نقل في كتب المخالفين عن ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر
وعلى هذا فإن كانت الأوقات خمسة، فلا يجوز تقديم صلاة العصر مثلاً على وقتها المقرر لها، إذ أن النبي (صلى الله عليه وآله)، يكون في هذه الحال قد صلى إحدى صلاتيه في غير وقتها.
فإن صلاة العصر، إما باطلة، أو يكون (صلى الله عليه وآله) قد أسقط أصل التوقيت، أو يكون وقتها قد بدأ من حين زوال الشمس، لكن لا بد من تقديم الظهر عليها ..
ولا شك في بطلان الأولين، فيبقى الثالث .. وهو عين ما يقول به شيعة أهل البيت (عليهم السلام) . .
غاية الأمر: أن وقت فضيلة الظهر يمتد من حين الزوال إلى حين يصير ظل كل شيء مثله .. أما وقت فضيلة العصر فيبدأ مع وقت فضيلة الظهر أيضاً، لكنه يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ..
و الاشكال و الاستفام في السؤال يرد على المخالفين لماذا يلتزمون بالفصل بين الصلاتين مع أنّ النبي صلّى الله عليه وآله
قد رخّص في الجمع بين الصلاتين بل كان يجمع بينهما حتّى في الحضر ومن دون عذر ولا خوف ،
والروايات من المخالفين تدلّ على ذلك صريحاً كما تقدم بعضها ، لكنّهم لا يتدبّرون الحديث كما لا يتدبّرون القرآن الكريم قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) [ محمّد : ۲٤ ].
أفلا يتدبّرون أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث رخّص في الجمع والله تعالى يحبّ أن يؤخذ برُخَصِه كما يجب أن يؤخذ بعزائمه.
وفي الحقيقة أنّ المخالفين ـ علماءهم وجهّالهم ـ لا يميّزون غالباً بين الواجب والمستحبّ أو فقل لا يميّزون بين السنّة الواجبة وبين السنّة المستحبّه
لكنّنا نحن الشيعة إتباع آهل البيت عليهم السلام ببركة أئمّة أهل البيت عليهم السلام نفرّق بين الواجب والمستحب حتّى لو كان مؤكّداً مثل صلاة الجماعة فنقول الصلاة اليوميّة واجبة لكن لا يجب أن يكون بنحو الجماعة بنحو الجماعة.
نعم الجماعة مستحبّة استحباباً مؤكّداً
لكن المخالفون ـ أغلبهم ـ يعتقدون وجوب بين الصلاتين وقبل ذلك نتعرّض لآراء بعض المذاهب.
قالت الحنفيّة : يجوز الجمع بين صلاة الظهر والعصر وبين الصلاة المغرب والعشاء في عرفة ومزدلفة ولا يجوز في غيرها.
أمّا الحنابله والمالكيّة والشافعيّة فقد أضافوا على ذلك الجمع بين الصلاتين في حال السفر أيضاً ،
وقال بعضهم بجواز الجمع في حال الضرورة كالمطر والمرض أو الخوف ؛
فراجع « الفقه على مذاهب الأربعة كتاب الصلاة : الجمع بين الصلاتين تقديماً و تأخيراً ».
[ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۳٤۲ / الناشر : دار الكتاب العلميّة ـ بيروت ]
وأمّا الروايات الواردة من طرق المخالفين فهي تصرح بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا سفر وهذه الروايات مطلقه تشمل الجمع بينهما في آخر وقت الظهر وهكذا بالنسبة للعشائين ،
لكن المخالفون حملوا الروايات على الجمع في آخر وقت الظهر والمغرب ، لكن يردّهم
أوّلاً انّ الروايات مطلقه ،
وثانياً بعض الروايات يستفاد منها الجمع في أوّل وقت الظهر والمغرب
وإليك بعض الروايات :
۱ .ـ روى مالك ـ إمام مالكيّة ـ في الموطأ : صلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه واله ـ الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً. في غير خوف ولا سفر. [ الموطأ / المجلّد : ۱ / الصفحة : ۱٤٤ / الناشر : دار إحياء التراث العربي ]
[ صحيح مسلم ج ۲ ص ۱٥۱ باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ].
۲ ـ روى مالك بن أنس عن معاذ بن جبل : فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله واله ـ يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
والعارف بأساليب الكلام يستفيد من هذا الحديث انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يفعل ذلك ،
أيّ يجمع بين الصلاتين بصورة مستمرّة لا أنّه جمع بينها في مورد أو موردين كما تقدم منكم في السؤال!
۳ ـ روى مالك بن أنس عن علي بن الحسين عليه السلام : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر وإذا أراد أن يسير ليلة جمع بين المغرب والعشاء ».
ومن المعلوم انّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يجمع بين المغرب والعشاء في أوّل وقت المغرب ليتمكّن من السير في ليله ، لا أنّه كان يسير ثمّ يصلّي صلاة المغرب آخر وقتها ويجمع بينهما وبين العشاء ثمّ يسير بعد ذلك ،
لأنّ ذلك كان خلاف غرضه حيث كان يريد السير في اليل مستمرّاً ومتّصلاً.
[ موطأ مالك كتاب الصلاة ح ۱۸۱ ].
٤ ـ روى الزرقاني عن الطبراني عن ابن مسعود : جمع النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له في ذلك
فقال : صنعت هذا لئلّا تحرج اُمّتي. ومن معلوم أنّ العلّة عامّة تشمل الجمع بين الصلاتين
« شرح الزرقاني على موطأ مالك ج ۱ / الجمع بين الصلاتين ص ۲۹٤ »
في أوّل الظهر أو المغرب كما تشمل الجمع بينهما في آخر الظهر والمغرب فانّ الجرح يرتفع بكلّ منها كما هو واضح.
٥ ـ في صحيح ج ۲ / ۱٥۱ روى عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : صلّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا سفر.
٦ ـ وفي صحيح مسلم فى ذيل الحديث السابق عن ابن عبّاس : جمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر.
۷ ـ مالك بن أنس في الموطأ : عن ابن شهاب انّه يسأل سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر فقال لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة.
وهذا الحديث يفسّر معنى الجمع بين الصلاتين حيث انّ الناس يجمعون بين الظهر والعصر في عرفة أوّل وقت الظهر لكي يتفرّغوا للدعاء إلى المغرب فالمراد من الروايات الدالّة على أنّ النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر هو الجمع بينها أوّل الظهر لا أنّه كان يؤخّر الظهر إلى آخر وقتها ثمّ يجمع بينها وبين العصر في أوّل وقت العصر ، فما يصنعه الشيعه هو عين ما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصنعه ، ويشهد لذلك ما رواه في كنز العمّال عن ابن عبّاس : جمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة في غير سفر ولا مطر ،
قال قلت لابن عبّاس : لم تراه فعل ذلك ؟
قال : أراد التوسعة على اُمّته.
ومن المعلوم أنّ التوسعة على الاُمّة انّما تحصل بالجمع بين الصلاتين في أوّل وقت الظهر أو أوّل وقت المغرب ،
امّا إذا كان اللازم تأخير الظهر إلى أوّل العصر لكي يجمع بينها لكان ذلك حرجاً على الاُمّة أيضاً كالفصل بينهما.
ومن الادلة على الجمع بين الصلاتين في الكتاب الكريم هو قوله تعالى (( أَقم الصَّلاَةَ لدلوك الشَّمس إلَى غَسَق اللَّيل وَقرآنَ الفَجر إنَّ قرآنَ الفَجر كَانَ مَشهودًا )) (الاسراء:78).
يقول الفخر الرازي ــ وهو أحد أعلام المفسرين من أهل السنة-: (( ..فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الاية ثلاثة أوقات. وقت الزوال، ووقت الغروب، ووقت الفجر. وهذا يقتضي ان يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وأن يكون اول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركاً ايضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً.
الا انه دلّ الدليل على ان الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فوجب ان يكون الجمع في السفر وعذر المطر وغيره )) - (التفسير الكبير / الفخر الرازي : 21 / 27) .
وعلى عادته في عدم استغلال النتائج وتنكره لصحتها، مع كامل اعترافه الصريح بدلالة الاية على جواز الجمع، يفضل الرازي التشبث ببعض السنة الملائم لأهوائه !
دمتم في رعاية الله