السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا
نذكر لكم ما نقل في مركز الابحاث العقائدية التابع الى مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله الوارف :
في جواهر التاريخ للشيخ علي الكوراني العاملي ج 3 - ص 500 قال:
عبد الملك يحول الحج من مكة إلى بيت المقدس! نص على ذلك عامة المؤرخين، ومنهم المحب لبني أمية ابن كثير! قال في النهاية: 8/ 308: (قال صاحب مرآة الزمان: وفيها ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين، وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة وكان يخطب في أيام منى وعرفة ومقام الناس بمكة وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان ويقول: إن النبي (ص) لعن الحكم وما نسل وأنه طريد رسول الله ولعينه.
وكان (ابن الزبير) يدعو إلى نفسه وكان فصيحا فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم! وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم ... المزید
ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حياة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة وأمر رجاء بن حياة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغا ولا يتوقفا فيها، فبثوا النفقات وأكثروا فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء وآخر من أدم للصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداما بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل، وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة والسلاسل الذهب والفضة شيئا كثيرا، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك، وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة، وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة، وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياما ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس وأنه دخل الصخرة.
وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير، ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج! وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس، وافتتن الناس بذلك افتتانا عظيما وأتوه من كل مكان وقد عملوا فيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما في الآخرة فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله (ص) ووادي جهنم وكذلك في أبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا)! وفي النجوم الزاهرة: 1/ 183: (وقيل بل كان شروعه في ذلك سنة سبعين).
وقال ابن خلدون: 2 ق 1/ 226: (وفي سنة خمس وستين من الهجرة زاد عبد الملك في المسجد الأقصى وأدخل الصخرة في الحرم).
وفي الروض المعطار/ 119: (بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة وجعل على أعلى القبة ثمانية آلاف صفيحة من نحاس مطلية بالذهب، في كل صفيحة سبعة مثاقيل ونصف من ذهب، وأفرغ على رؤوس الأعمدة مائة ألف مثقال ذهبا وخارج القبة كلها ملبس بصفائح الرصاص، وطول مسجد بيت المقدس بالذراع الملكي ويقال إنه ذراع سليمان (عليه السلام) وهو ثلاثة أشبار سبعمائة وخمس وخمسون ذراعا، وفيه من الأساطين ستمائة وأربع وثمانون أسطوانة، والعمد التي في قبة الصخرة ثلاثون عمودا، وفيه خمسة آلاف قنديل).
وفي النجوم الزاهرة: 1/ 188: (وسبب بناء عبد الملك أن عبد الله بن الزبير لما دعا لنفسه بمكة فكان يخطب في أيام منى وعرفة وينال من عبد الملك، ويذكر مثالب بني أمية ويذكر أن جده الحكم كان طريد رسول الله ولعينه، فمال أكثر أهل الشأم إلى ابن الزبير فمنع عبد الملك الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليصرفهم بذلك عن الحج والعمرة فصاروا يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ضحاياهم وصار أخوه عبد العزيز بن مروان صاحب مصر يعرف بالناس بمصر ويقف بهم يوم عرفة....
وقد بنى عبد الملك قبابا للحج في الأمصار)! وفي سمت النجوم/ 1001: (فبنى عبد الملك قبة على صخرة بيت المقدس ومساجد الأمصار).
وربما كان يحج هو إلى الصخرة (تاريخ دمشق: 37/ 136، و: 70/ 164).
واستمر منع المسلمين من الحج إلى مكة وتوجيههم إلى القدس إلى أن قتل عبد الله بن الزبير سنة 73 وربما بعده، ففي أخبار الدولة العباسية/ 107: (وحج الناس في تلك السنة وهي سنة ست وستين على ثلاثة منازل: محمد بن علي في أصحابه على حدة، وعبد الله بن الزبير في أصحابه على حدة، ونجدة بن عامر الحروري في أصحابه على حدة). انتهى.
ولم يذكر أهل الشام ومصر! وشاعت إسرائيليات كعب وتلاميذه! فزعم كعب الأحبار أن الله تعالى وضع رجله على صخرة بيت المقدس! روى الطبري في تفسيره: 16/ 262: (عن عروة قال: كنا قعودا عند عبد الملك حين (قال) قال كعب: إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة، فقال (...): كذب كعب إنما الصخرة جبل من الجبال، إن الله يقول: ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا. فسكت عبد الملك). انتهى.
وقد وضعنا (قال) بين قوسين لأن القائل لا يمكن أن يكون كعب الذي مات سنة 34، بل القائل عبد الملك نقل قول كعب وتبناه، فرده أحد الجالسين فسكت خوفا من اتهامه باليهودية! وفي حلية الأولياء: 6/ 20: (عن كعب قال: إن الله تعالى نظر إلى الأرض فقال إني واط على بعضك، فاستعلت إليه الجبال وتضعضعت له الصخرة فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه! فقال: هذا مقامي ومحشر خلقي وهذه جنتي وهذه ناري وهذا موضع ميزاني وأنا ديان الدين). (وفضائل بيت المقدس/ 59).
وفي توحيد الصدوق/ 179: (عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل! يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس! ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى. يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه، تعالى عن صفة الواصفين وجل عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الآفلين، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير).
وزعم كعب أن من صلى عند الصخرة فله ثواب الحج! أخذ كعب التعبير النبوي لمن حج البيت وجعله للصخرة! ففي نهاية الإرب/ 225: (قال: من أتى بيت المقدس فصلى عن يمين الصخرة وشمالها ودعا عند موضع السلسلة وتصدق بما قل أو كثر استجيب دعاؤه وكشف الله حزنه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن سأل الله الزيادة أعطاه). (وفضائل القدس/ 23).
وفي تاريخ دمشق: 59/ 250، عن كعب أيضا: (قام سليمان بن داود على هذه الصخرة ثم استقبل القدس كله ودعا الله بثلاث، فأراه الله تعجيل إجابته إياه في دعوتين وأرجو أن يستجيب له في الآخرة فقال: اللهم هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فأعطاه الله ذلك، وقال اللهم هب لي ملكا وحكما يوافق حكمك ففعل الله ذلك به، ثم قال: اللهم لا يأتي هذا المسجد أحد يريد الصلاة فيه إلا أخرجته من خطيئته كيوم ولدته أمه). (ونهاية الإرب/ 225).
ولم يورد كعب الآية كما هي، لأنه لا يحفظها أو يتعمد التغيير في ألفاظها! وزعم كعب أن الكعبة تسجد لبيت المقدس ففي الدر المنثور: 1/ 136: (عن كعب قال: لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى بيت المقدس، فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما، والعرض والحساب ببيت المقدس)! وفي الكافي: 4/ 239: (عن زرارة قال: كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر (الإمام الباقر (عليه السلام) وهو محتب مستقبل الكعبة فقال: أما إن النظر إليها عبادة، فجاءه رجل من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر: إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال أبو جعفر: فما تقول فيما قال كعب؟ فقال: صدق، القول ما قال كعب! فقال أبو جعفر: كذبت وكذب كعب الأحبار معك! وغضب! قال زرارة: ما رأيته استقبل أحدا بقول كذبت غيره ثم قال: ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله عز وجل منها، لها حرم الله الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة متوالية للحج: شوال وذو العقدة وذو الحجة، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب). انتهى.
وزعم كعب أن كل مياه الأرض تنبع من تحت الصخرة! في تاريخ دمشق: 1/ 152: (وقال كعب: ما شرب ماء عذب قط إلا ما يخرج من تحت هذه الصخرة! حتى أن العين التي بدارين ليخرج ماؤها من تحت هذه الصخرة)! (تفسير القرطبي: 11/ 305، وأبي السعود: 6/ 5، والسيرة الحلبية: 2/ 82).
دلالات تحجيج المسلمين إلى بيت المقدس!
1- يدل ذلك على أنه بعد مضي نصف قرن على وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كان الإسلام كدين، ما زال هشا في نفس أوساط كثيرة من الناس، لم يترسخ بعد، وإلا لما قبلوا أن يحجوا إلى القدس بدل مكة، أو معها!
2- أن عبد الملك واصل خط معاوية وعمر في تبني إسرائيليات كعب الأحبار والحاخامات الذين تبنتهم الخلافة وأطلقت أيديهم في نشر ثقافتهم! وساعدهم على ذلك أنها ثقافة تفضل صخرة القدس وأرض الشام على مكة والبيت الحرام، ولها أرضية في الثقافة المسيحية واليهودية لأهل المنطقة!
3- من المتفق عليه أن عبد الملك كان بخيلا جدا، فما هو السبب في سخائه المفرط على بناء قبة الصخرة لمضاهاة الكعبة؟ فلعل اليهود كانوا وراء تمويل المشروع لأهداف كانت لهم في القدس، لكنهم فشلوا!
4- أن موج عقائد الإسلام بقي عصيا على أمثال هذه الأعمال التحريفية، بسبب جهود أهل البيت (عليهم السلام)، وثقافة الإسلام المحددة بالنص القرآني، وما نشروه من النص النبوي، ولذلك غلب تقديس مكة وعاد الحج إليها بعد انتهاء حكم ابن الزبير، وبقيت في النفوس والكتب رواسب عمل عبد الملك واليهود!
5- أنه يجب الحذر من أحاديث مدح بلاد الشام وفلسطين وبيت المقدس، إلا ما ثبت من مباركتها في القرآن الكريم، وما روي بطرق صحيحة عن غير طريق الرواة الموالين للخلافة الأموية والقرشية. وهنا تظهر قيمة مواقف أهل البيت (عليهم السلام) في وجه ثقافة الحاخامات وتلاميذهم رواة الخلافة، ومن ذلك تكذيب أمير المؤمنين (عليه السلام) لكعب في مجلس عمر عندما قال كعب: (إن الله تبارك وتعالى كان قديما قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة. فقال له (عليه السلام): غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه). (البحار: 36/ 194) وسأله كعب يوما: (يا أبا الحسن أخبرني عن أول عين جرت على وجه الأرض؟ فقال (عليه السلام): تزعم أنت وأصحابك أنها العين التي عليه صخرة بيت المقدس، قال كعب: كذلك نقول، قال: كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب منها الخضر فبقي في الدنيا). (خصائص الأئمة للشريف الرضي/ 90). وقد تقدم غضب الإمام الباقر (عليه السلام) وتكذيبه كعبا وصاحبه في تفضيل الصخرة.
6- دافع ابن تيمية على طريقته عن عبد الملك بأنه أراد أن يصرف الناس عن ابن الزبير، وأغمض عن منعه المسلمين من الحج وتحجيجهم إلى بيت المقدس وجعل قبة الصخرة مقابل الكعبة! قال في اقتضاء الصراط/ 435، ومجموع الفتاوى: 27/ 12: (وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان. ولكن لما تولى ابنه عبد الملك الشام ووقع بينه وبين ابن الزبير الفتنة كان الناس يحجون فيجتمعون بابن الزبير، فأراد عبد الملك أن يصرف الناس عن ابن الزبير فبنى القبة على الصخرة وكساها في الشتاء والصيف ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس ويشتغلوا بذلك عن اجتماعهم بابن الزبير). وهو دفاع مبطن بالهروب من ذكر بدعة عبد الملك وتحريفه للإسلام!
7- يحترم أهل البيت (عليهم السلام) مسجد بيت المقدس وصخرته ولكن بدون مبالغة ولا تفضيل ولا مساواة له بالحرمين والمشاهد المشرفة، ويفتي فقهاء مذهبنا في يمين المتلاعنين: (فإنه يلاعن بينهما في أشرف البقاع، فإن كان بمكة فبين الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعلى منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان بغير هذه البلاد ففي أشرف موضع فيه وأشرف بقاع البلاد الجوامع والمشاهد عندنا). (المبسوط للشيخ الطوسي: 5/ 197 و: 8/ 203 وقواعد الأحكام للعلامة الحلي: 3/ 190، والدروس: 2/ 96، وغيرها).
دمتم في رعاية الله