وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
النفس المطمئنة: هي النفس المتكاملة المنتهية إلى مرحلة الاطمئنان، والطاعة والمنتهية إلى مقام التقوى والإحساس بالمسؤولية، وليس من السهل انحرافها، وهذا ما ورد في وقوله تعالى: {يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.(الفجر:آية٢٧-٢٧).
بعبارة أخرى: إنّ النفس المطمئنة هي آخر مراتب الكمال البشري، التي يصل إليها البشر من خلال تهذيب الروح؛ لإخراجها من عالم الأمّارية إلى عالم اللّوامية، ثمّ السعي للتشبه بتلك النفوس المطمئنة.
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي﴾.. إن فعل الأمر (ارجعي) ملازم لهذه النفس، أي: أيتها النفس!.. أنت كنت عندي سابقاً، وكنت قطعة من عالم الأنوار وعوالم القرب إلى الله، التي أنعم الله عليها وأنزلها إلى الأرض، والآن قد حان الوقت رجوعك إلى ما كنت عليه.
فيجب علينا أن نعيش هذا الهاجس اتّجاه أنفسنا، أي: إنّنا من الله (عزّ وجلّ)، وأنّنا راجعون إليه، فلماذا - إذاً - نلوث أنفسنا في هذه الأيام القصيرة؟ فلماذا لا نحسب حساب الرجوع إلى الله (عزّ وجلّ)، ونكون بالمستوى الذي يريده المولى منّا؟
﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ إنّ أصل الوجود هو بهاتين الكلمتين: أن نكون راضين عن الله (عزّ وجلّ)، وهي علاقة العبد مع ربه، وأن يكون الله (عزّ وجلّ) راضياً عنّا، وهي علاقة الله مع العبد، وهذا هو الهدف من الخلقة لقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.(الذاريات:آية٥٦)، وهذه العبادة لها ثمرتان:
- ثمرة خلقية: وهي أن يكون العبد راضياً عن الله تعالى.
- ثمرة خالقية: وهي أن يكون الله تعالى راضياً على عبده.
لا بدّ لنا أن نعلم أنّ رضوان الله تعالى، ليس أمراً بعيد المنال، إنّما الإنسان هو الذي بيده أن يرسم هذا الرضوان ويحققه.
﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.. يتبيّن من هذه الآية أنّ جزاء هذه النفوس المطمئنة أمران: أولاً: الدخول في عباد الله، وهو عالم الأنس بالأرواح الطيّبة، في جنة الخلد مع محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين). وثانياً: الدخول في جنة الله تعالى، والتنعم بنعيمه، ويتبيّن لنا من الجزاء الأول أنّ المؤمن لا يأنس إلّا بالله، أو بمؤمن مثله، فهو يأنس بالله تعالى؛ لأنّه مصدر النعيم المعنوي الذي لا حدّ له، وأمّا إذا كان لا يمكنه الأنس بالله تعالى؛ وذلك لوجود حجاب من الحجب المعيّنة، فإنّه لا ضير من الشكوى والأنس بالمؤمنين؛ لأنّه مَن شكا إلى مؤمن، فكأنّما شكا إلى الله تعالى؛ وذلك لأنّ المؤمنين هم ممثلو الله تعالى في الأرض، وأمّا مَن شكا إلى غير مؤمن، فكأنمّا شكا الله تعالى.
إنّ الغرض من المدار في الاطمئنان، والمدار في الأنس، والمدار في النعيم، هو تهذيب الروح، لإخراجها من عالم الأمّارية إلى عالم اللّوامية، وبعد ذلك السعي إلى التشبّه بتلك النفوس المطمئنة، التي بلغت أعلى درجات الاطمئنان.
ودمتم موفقين.