ما الفرق بين العرش والكرسي
العرش هو لغويا (السقف) أو (السرير ذا المسند المرتفع) في قبال (الكرسي) الذي هو (سرير ذو مسند منخفض). ثم استخدمت هذه الكلمة لتشمل (عرش) القدرة الإلهية. وللمفسرين والفلاسفة والمناطقة كلام كثير حول المقصود بالعرش، وما ينطوي عليه من معنى كنائي. فأحيانا فسروا العرش بمعنى (العلم اللامتناهي لله تبارك وتعالى). واخرى قالوا بأن المعنى هو (المالكية والحاكمية الإلهية). وفسروا العرش أيضا بأنه إشارة إلى أي واحدة من الصفات الكمالية والجلالية لله تبارك وتعالى، لأن كل واحدة من هذه الصفات توضح عظمة منزلته جل وعلا، كما أن عرش السلطان (والأمثال تضرب ولا تقاس) يوضح عظمته. فالخالق جل وعلا يملك عرش العلم، وعرش القدرة، وعرش الرحمانية، وعرش الرحيمية. وطبقا للتفاسير والآراء الثلاثة هذه، فإن مفهوم (العرش) يعود إلى صفات الخالق جل وعلا، ولا يعني وجود خارجي آخر له. وفي بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام)، ما يشير إلى هذا المعنى، ففي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه أجاب عندما سئل عن معنى قوله تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض أن المقصود بذلك علمه تعالى شأنه وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا أنه فسر (العرش) بأنه " العلم " الذي كشفه وعلمه الله للأنبياء عليهم السلام، بينما (الكرسي) هو " العلم " الذي لم يعلمه لأحد ولم يطلع عليه أحد وبين أيدينا تفاسير أخرى استندت إلى روايات إسلامية، ففسرت العرش والكرسي بأنهما موجودات عظيمة من مخلوقات الله تبارك وتعالى. قالوا - مثلا - إن المقصود بالعرش هو مجموع عالم الوجود. وقالوا أيضا: هو مجموع الأرض والسماء المتجسدة ضمن هذا الكرسي، بل إن السماء والأرض كالخاتم في الصحراء الواسعة مقايسة بينهما وبين (الكرسي) ثم قالوا: إن " الكرسي " في مقابل العرش كالخاتم في الصحراء الواسعة. وفي تفاسير أخرى تستند بدورها إلى روايات إسلامية، أطلقوا كلمة (العرش) للكناية عن قلوب الأنبياء والأوصياء والمؤمنين التأمين الكاملين، كما جاء ذلك في الحديث: " إن قلب المؤمن عرش الرحمن " وفي حديث قدسي نقرأ قوله تعالى: " لم يسعني سمائي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن " أما أفضل الطرق لإدراك معنى العرش - بمقدار ما تسمح به قابلية الإنسان واستيعابه - فهو أن نبحث موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم، ونتفحص مدلولاتها بشكل متأن. في آيات كثيرة من كتاب الله نلتقي مع هذا التعبير، كما في قوله تعالى: ثم استوى على العرش ثم يرد تعبر يدبر الأمر في بعض الآيات التي تأتي بعد مفاد الآية أعلاه (آية العرش) أو ترد جمل أخرى تعبر عن علم الله ودراية الخالق جل وعلا. في آية أخرى من القرآن الكريم يوصف العرش بالعظمة: وهو رب العرش العظيم وأحيانا تتحدث الآية عن حملة العرش، كما في الآية التي نحن بصددها. من خلال مجموع هذه الموارد، والتعابير الأخرى الواردة في الأحاديث والروايات الإسلامية، نستنتج بشكل واضح أن كلمة (العرش) تطلق على معاني مختلفة بالرغم من أنها تشترك في أساس واحد. فأحد معاني العرش هو مقام (الحكومة والمالكية وخلق عالم الوجود) إذ تلاحظ أن الاستخدام الشائع للعرش يدلل - من خلال الكناية - على سيطرة الحاكم على أمور دولته، فنقول مثلا: " فلان شل عرشه " والتعبير كناية عن انهيار قدرته وحكومته. والمعنى الآخر من معاني العرش هو، " مجموع عالم الوجود " لأن كل الوجود هو دليل على العظمة. وأحيانا يستخدم العرش بمعنى " العالم الأعلى " والكرسي بمعنى " العالم الأدنى ". ويستخدم العرش أحيانا بمعنى (عالم ما وراء الطبيعة) والكرسي بمعنى (مجموع عالم المادة) بما في ذلك الأرض والسماء، كما جاء في آية الكرسي: وسع كرسيه السماوات والأرض. ولأن علم الخالق لا ينفصل عن ذاته المنزهة، لذا فان كلمة (عرش) تطلق أحيانا على " علم الله ". وإذا أطلق وصف (عرش الرحمن) على القلوب الطاهرة لعباد الله المؤمنين، فذلك يعود إلى أن هذا المكان هو محل معرفة الذات الإلهية المنزهة، وهو بحد ذاته أحد أدلة عظمته وقدرته جل وعلا.