الجزء الاول
لماذا لم يتمسَّك أهل السنة بأهل البيت (عليهم السلام)؟
الشيخ علي آل محسن
إن الأحاديث الصحيحة الدالة على لزوم التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) كثيرة مستفيضة، وقد رُويت بطرق صحيحة في كتب الحديث عند أهل السنة، وصحَّحها كثير من حفَّاظ الحديث في كتبهم.
بل إن تلكم الأحاديث تدل بما لا يقبل الشك على أن النجاة من الوقوع في الضلال لا تتحقق إلا باتباع أئمة الهدى من أهل البيت (عليهم السلام) دون سواهم.
ومع ذلك فإن أهل السنّة تركوا التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) واتّبعوا غيرهم، ومالوا إلى سواهم، فتركوا اتّباع من أُمروا باتباعهم بمقتضى الروايات الصحيحة عندهم، واتّبعوا مَن لا دليل عندهم على صحَّة اتّباعه.
هذا ما سنكشف النقاب عنه في البحوث الآتية:
حديث الثقلين
إن الأحاديث الدالة على لزوم اتّباع أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة، ومن أتمها دلالة وأصحَّها سنداً هو حديث الثقلين، المروي عن جمع من الصحابة، كجابر بن عبد الله، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدرى، وزيد بن ثابت، وغيرهم. وصحَّحه جمع من حفَّاظ الحديث من أهل السنة كما سيأتي بيانه مفصَّلاً إن شاء الله تعالى.
طرق حديث الثقلين
1 ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم ـ في حديث طويل ـ أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيك ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسِكوا به. فحثَّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتى، أذكّركم الله في أهل بيتى، أذكّركم الله في أهل بيتى، أذكّركم الله في أهل بيتى. 1
2 ـ وأخرج الترمذي وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في حَجّته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتى أهل بيتى. 2
3 ـ وأخرج أيضاً عن زيد بن أرقم وأبي سعيد، قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتى، ولن يتفرَّقا حتى يرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلِّفونّي فيهما. 3
4 ـ وأخرج أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم عن زيد بن أرقم، قال:
لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقُمِمْن، 4 فقال: كأني دُعِيتُ فأجبـتُ، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتى، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما، فإنهما لن يتفرَّقا حتى يرِدا عليَّ الحوض