رغم كثرة الأعباء، وتعدد المهام الجسام لرسولنا الأكرم محمد(ص) كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾، نجد اهتمامه الكبير(ص) بتربية الأولاد في مرحلة متقدمة من أعمارهم، بل حتى قبل قدومهم إلى هذه الحياة، وذلك من خلال حثِّه على اختيار الحاضن السليم، وأساليب التنشئة والتربية والتأديب والتعليم الصحيح لشباب اليوم، فهم رجالات المستقبل وسبيل خير الأمة، ونهضتها الرسالية، وقوتها ومنعتها المعنوية والحضارية، وحلاً لمشكلاتها التربوية والتعليمية والاجتماعية المستحدثة في آنٍ واحد، فضلاً عن أنَّ رؤية الإنسان وكينونته وسلوكه أمور محكومة بتنشئته وتربيته، وهي لن تستقيم إلا باتباع هديه الشريف(ص) فهو الأنموذج والقدوة، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
إنَّ رسول الله(ص) يؤكد على دور الأسرة في رعاية الأولاد وتنمية قدراتهم، ويلقي بالمسؤولية في تعهد الطفولة على الوالدين، فيقول الرسول(ص): «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته».
ويحث(ص) الأم بصفتها الحاضن الأول للطفل بملازمة أطفالها وخصوصاً في سنواتهم الخمس الأولى؛ ليشعروا بالطمأنينة والأمن وهما سياجان ضروريان لنمو صحي سليم، وأيضاً توفير كل العطف والحنان والحب مع الحزم المستمر للأبناء، وتواصل ذلك في جميع مراحل حياتهم وخصوصاً في فترة المراهقة وإخبارهم بذلك الحب وإبعادهم عن كل ما يشينهم.
ومن الجميل أن يسمع كثير من الأطفال آباءهم يقولون لهم أنَّهم يحبونهم كثيراً، ولكن الأجمل من الآباء والأمهات أن يُشعروهم بهذا الحب وهذه الحفاوة، إنَّ رسول الله(ص) التزم الحسن بن علي(ع) فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ»، وقد أظهر هذا الحب في مواقف عديدة.
كما أبرزت لنا السنة المطهرة في أحاديث عديدة قيمة الوقت وبخاصة عند الأبناء من الشباب والحرص عليه، وعدم إضاعته، والمؤمن المكلَّف يحسن إدارة الوقت واستغلال كل دقيقة منه، وجعله الإطار الذي ينمِّي فيه الإبداع، فالهدي النبوي يربي الوعي بقيمة الزمن ويدعوه إلى المسارعة إلى اغتنام هذه القيمة، ويقول الرسول(ص): «اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وقوَّتك قبل ضعفك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك».
وإنَّ من هدي رسول الله(ص) في أركان التربية والتعليم ومقوماتهما أن يطالب المرء ببلوغ الغاية في إحسان العمل واتقانه وفق أحسن المواصفات، قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
إنَّ الله تعالى قد أحسن في خلقه الكون وأحسن كل شيء خلقه؛ لذا فقد طلب من عباده أن يحسنوا ويبلغوا هذا المقام فيما أقامهم فيه، وفيما كلَّفهم به.
ولعل حاجة الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة لتوفير سبل وإمكانيات التربية والتعليم والأمن النفسي أكبر من أسوياء الغلمان ومن ينشأون وسط أُسرهم المعتادة؛ لذا نجد الإسلام ينهى عن الإساءة إليهم والانتقاص من حقوقهم، يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾.
ويقول النبي(ص): «خَيرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُحسَنُ إليه، وشرُّ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُساءُ إليه، ثم أشار بإصبعيه السُّبابة والوسطى: أنا وكافل اليتيم في الجنَّة كَهاتين».
ويبقى أنَّه في حال انقطع عمل المرء فسيبقى ما ترك من عمل صالح يجدد له ويرفده بعمل جديد بعد الممات، ففي الحديث أنَّ رسول الله(ص) قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وجملة القول إنَّها وقفات سريعة لهديه ونهجه الذي يحوي أفضل طرائق التربية، وأقوم وسائل التعليم، وأغزرها تنوعاً، وأيسرها تطبيقاً، وأبلغها أثراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: على أعتاب المستقبل - الحلقة الثانية عشرة - الدورة البرامجية 27.