لقد وضع الشارع المقدس آداباً كثيرة للطعام فإن للآداب التي وضعها الله سبحانه وتعالى للمائدة وكيفية الأكل والشرب منافع كثيرة، منها ما كشفه العلم والطب الحديث ومنه ما لم يعلم حتى الآن. إلا أن اعتقادنا بأن كل الأمور التي أمر الله بها لا بد وأنها تصب في مصلحة العباد، وهو إيمان تعبدي يستحق الإنسان عليه الأجر من الله تعالى. فوائد قلة الطعام ومضار كثرته: إن قلّة كمّية الطعام التي يتناولها الإنسان لها الدور الأكبر في الحفاظ على صحته الجسدية, كما أنّ لها من الفوائد الجمّة الكثيرة للنفس الإنسانيّة، ويكفي في مجال أهمّيتها أن نلتفت إلى كثرة الروايات التي وردت عن الرسول ص وأهل بيته ع والتي تحبذ قلّة الأكل وتذكر فائدته، فقد ورد عن الإمام علي ع "قلّة الغذاء أكرم للنفس وأدوم للصحّة" وعن الإمام علي(ع):"من قلّ طعامه قلّت آلامه"، ولعلّ ذلك لأنّ كثرة الأكل والتكثير من الأصناف المأكولة تربك المعدة التي تعتبر من أكثر الأعضاء حساسيّة وتسبباً للأمراض في الجسم، وكذا الحفاظ عليها ممّا يجلب الراحة للإنسان, ويكفي في أهميّة قلّة الطعام ما نراه من السلبيات الناتجة عن الإكثار من تناول الأطعمة وأهمّها مرض السمنة الذي أسماه البعض بمرض العصر، إذ إنّ الكثير من الناس يعانون من مشاكل السمنة وأمراض الكولسترول وغيرها وقد ورد في الرواية عن الإمام الكاظم (ع) :"لو أنّ الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت أبدانهم".
أما الإكثار من الطعام ليس من الأمور المحمودة شرعاً، فقد ورد في الروايات التأكيد على كراهية ذلك لما له من مضار ، فقد ورد في الرواية عن الإمام علي ع : "كثرة الأكل من الشره، والشره شرّ العيوب" ولعل كثرة الطعام تتسبب بمردود عكسي على الإنسان، بسبب حساسية المعدة، حتى ينطبق عليه حينئذٍ الحديث المشهور عن أمير المؤمنين(ع): "كم من أكلة تمنع أكلات"، ولأجل هذه السلبيات المادية، وكذلك السلبيات المعنوية التي تتسبب بها التخمة والشره، بحيث تؤثر على القلب والتوجه، كانت دعوة الأئمة عليهم السلام لنا بأن لا نأكل إلا حينما نشعر بالجوع، ففي الحديث عن رسول الله ص " كُل وأنت تشتهي، وأمسك وأنت تشتهي".
الآن نتحدث عن آداب المائدة فمن آداب المائدة الوضوء قبل الطعام وبعده: إن الشريعة الإسلامية أعطت أهمية خاصة للنظافة, ومن الأمور التي أمرتنا بالتأدب بها: الوضوء وغسل اليدين قبل الطعام وبعده، فعن الرسول الأكرم(ص) قال:"إذا توضأت بعد الطعام فامسح عينيك بفضل ما في يديك فإنه أمان من الرمد" البسملة والدعاء: وهي من الآداب المشهورة، وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنه قال:"اذكروا الله عز وجل عند الطعام ولا تلغوا فيه: فإنه نعمة من نعم الله يجب عليكم فيها شكره وحمده، أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيه". وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع) قال: إن رسول الله (ص وآله)قال:"إذا وضعت المائدة حفها أربعة أملاك، فإذا قال العبد: "بسم الله " قالت الملائكة للشيطان: اخرج يا فاسق فلا سلطان لك عليهم. وإذا فرغوا فقالوا: "الحمد لله" قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدوا الشكر لربهم، وإذا لم يقل: "بسم الله" قالت الملائكة للشيطان: ادنُ يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة ولم يحمدوا الله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم" إطالة الجلوس: ومن الآداب أن يطيل الإنسان مكوثه أثناء تناوله للطعام وأن لا يستعجل في الانتهاء، لأن الوقت الذي يتناول الإنسان فيه قُوته لا يسأله الله تعالى عنه، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق ع قال:"أطيلوا الجلوس على الموائد، فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم ".
- تناول الفتات: من الآداب أن يتناول الإنسان الفتات المتساقط من الطعام، حيث ورد في الرواية عن رسول الله ص:"من وجد كسرة أو تمرة فأكلها لم تفارق جوفه حتى يغفر الله له"، ومن الثواب الذي أعده الله تعالى على هذا العمل الذي يتصوره الإنسان عملاً قليلاً، ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا(عليه السلام)عن أبيه (عليه السلام)، عن آبائه (عليه السلام) قال: قال رسول الله(ص وآله): ما سقط من المائدة مهور الحور العين"، فمن أحب أن يدفع مهر الحور العين قبل أن يدخل الجنة فما عليه إلا أن يستنّ بسنّة الرسول الأكرم(ص وآله) وأهل بيته(ع) ويقوم بهذا العمل القليل ذي الأجر العظيم أن يأكل الإنسان من قدّامه قد جرت العادات على أن يأكل كل إنسان من أمامه أي من الطعام الذي في جهته، وكذا يعتبر العرف أن الأكل من أمام الآخرين من العادات السيئة، وكذلك الشرع أدّبنا على أن نكون كذلك ففي الرواية عن الرسول الأكرم (ص وآله): "إذا وضعت المائدة بين يدي الرجل فليأكل مما يليه، ولا يتناول مما بين يدي جليسه".
-لا تأكل أثناء المشي: والأكل أثناء المشي من الأمور التي لا يحبذها العرف، وخصوصاً للإنسان المؤمن، بل إن هذا العمل مما يسقط هيبة الإنسان من أعين الناس، وقد ورد النهي عن ذلك في الروايات، ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" لا تأكل وأنت تمشي إلا أن تضطر إلى ذلك".
- لا تأكل الطعام حاراً: لقد أدبتنا الشريعة على انتظار الطعام حتى يبرد، ففي الرواية عن أمير المؤمنين علي(ع): أقروا الحار حتى يبرد، فإن رسول الله (ص وآله) قرب إليه طعام حار فقال: أقروه حتى يبرد، ما كان الله عز وجل ليطعمنا النار، والبركة في البارد". ومن الآداب الشرعية أيضاً أن لا ينفخ الإنسان على الطعام الحار حتى يبرد، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع) عن آبائه (ع) ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج آداب لا بد منها - الحلقة الثانية - د39.