إن سر سعادة العائلة هو تفاهم الزوجين، وسر صلاح الأولاد هو حسن التربية من الوالدين، وبالطبع أن هذا لا يكون إلا بالإختيار الموفق للزوج المتدين أو الزوجة المتدينة لكلا الجنسين.
إذ أن حسن الإختيار في الزواج للأسف بات الأهتمام به قليلاً، وكل هذا سببه؛ أن الناس جعلت للزواج مقاييس عكس التي جعلها الأسلام وجعلت للأسرة أنظمة عكس التي جعلها الإسلام.
وأول مقياس في مجتمعنا هو: أن بعض الشباب والعوائل باتوا يختارون الفتاة لكونها جميلة فقط، بغض النظر عن دينها، بينما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أوصى أحد الشبان في موضوع الزواج قائلاً: ((عليك بذات الدين تربت يداك))، كذلك الفتيات فإن بعضهن بالآونة الأخيرة صرن لا يقبلن بالزواج إلا من الشاب صاحب المال والجاه، بينما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ((الكفؤ من كان عفيفاً ذا يسار)).
المقياس الثاني هو: أن بعض الشباب والعوائل يهتمون بأحد الأمرين لا كليهما, أي أنهم حينما يخطبون الفتاة يخطبونها لكونها خلوقة ولا يسألون عن تدينها أتصلي أم لا, أو يخطبونها لإلتزامها بالصلاة والصوم ولا يسألون أهي خلوقة أم لا، وكذلك الشاب الخاطب فنجد بعض العوائل يقبلونه لدينه أو لخلقه، ولا يقيسون بكلا المقياسيين، بينما نجد أن رسولنا (صلى الله عليه وآله) قال: ((من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) ولم يوص بأحديهما؛ لأن الرجل وكذلك المرأة إذا كانا صاحبي خلق؛ لكن لا يصليان ولا يصومان ولا يفهمان أمور دينهما، فإنهما قد يكونان زوجين ناجحين ولكن لا يكونان أبوين ناجحين لإنشاء جيل متدين وواعٍ، أي أن إذا الأولاد وعوا على أحد أبويهما أو كليهما لا يصلي ولا يصوم ويسمع الغناء أو يفعل غير ذلك من المعاصي، فلا يتجذّر في أنفسهم أهمية عمل الواجبات وأهمية ترك المحرمات. أما إذا كان الرجل أو المرأة يصليان ويصومان ويكثران من العبادات إلا أنهما ليس عندهما أخلاق, فإنهما يكونان زوجين فاشلين وأبوين فاشلين أيضاً؛ لأن الدين دين الأخلاق، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إنما جئتكم لأتمم مكارم الأخلاق ))، فلا ينفع الإنسان أنه يصلي ويصوم بغير خُلق؛ لأن الصلاة يجب أن تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله في كتابه العزيز: {إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
أما المقياس الثالث في مجتمعنا للزواج هو: إن الخاطب قد يكون ناوياً على الدين والخلق أو أحدهما في الفتاة، إلا أنه يتحرى عنهما من بعيد ... المزید كأن يسأل الجيران أو أحد المعارف, وهذه العادة لا نستطيع أن نقول أنها غير جيدة, إلا أن الحكم يبقى فيها على الظاهر؛ لأن الجار وأحد المعارف لم يعاشر الفتى أو الفتاة مدة طويلة، حتى نسقط الحواجز، فيتعرف على حقيقة دينهما وأخلاقهما, بالإضافة إلى أن البعض من هؤلاء الجيران والمعارف يعرف حقيقة الفتى أو الفتاة أو عائلتهما، إلا أنه حينما يسأل يخاف من الله من أن يمنع (جمع رأسين بالحلال) كما يقال, فهو لا يكتم الحقيقة فقط، بل يعكسها تماماً للسائل مما جعل الكثير من الجيران والمعارف يتعرضون إلى اللوم من قبل أهل الزوج أو أهل الزوجة إذا وجدا خصال هذا الفتى أو تلك الفتاة بعد الزواج عكس الذي قاله لهم معارفهم وجيرانهم؛ لذلك فإننا ننصح هؤلاء المعارف والجيران إما أن يتكلموا بصدق أو لا يتكلموا وكما قال الإمام علي ابن أبي طالب: ((لاخير في الصمت عن الحكم كما لا خير في القول بالجهل)).
كما أننا ننصح الشباب والشابات وعوائلهم أن يطبقوا تعاليم الإسلام في الزواج والتزويج،وكذلك عليهم أن يعرفوا أن النية السليمة والخالصة في إنتقاء الزوجة المتدينة أو الزوج المتدين هي الطريق إلى التوفيق في الحياة الزوجية, فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((إذا تزوج الرجل إمرأة لجمالها أو مالها وكِّل إلى ذلك, وإذا تزوجها لدينها رزقه الله المال والجمال)).
لقد قلنا سابقاً بأن الزواج يجب أن يكون وفق مقاييس الإسلام، إذ أن نسب الطلاق لم تكن كبيرة في مجتمعنا إلا أن أفراده إبتعدوا عن مقاييس الدين الإسلامي في ذلك.
أما من يقول أن إختيار الزوجة الصالحة لم يعمل به الأنبياء (عليهم السلام)، كما جاء في القرآن عن زوجتي نوح ولوط واثنين من زوجات نبينا (صلوات الله عليه و عليهم أجمعين) كما إن بعضهم لم يختاروا الأزواج الصالحين لبناتهم, كما في قصة لوط (عليه السلام) وأن الرد على هذا القول هو: إن الأنبياء (عليهم السلام) ظروفهم تختلف عن الناس العاديين، خاصة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) فكما أن الله أمره أن يجير المشركين في الحديبية؛ ليتسنى للمسلمين أن يدخلوا مكة من خلال هذا الصلح فينشروا فيها الإسلام، وكما أن للمؤلفة قلوبهم، وهم الذين دخلوا الإسلام حديثاً ولم تألفه قلوبهم بعد، قد أوجب الله على نبيه أن يدفع لهم الزكاة كي يألفوا الإسلام في ذلك.
فإن في موضوع الزواج كان النبي (صلى الله عليه وآله) في نفس الموقف، فقد إختار بعضاً من أزواجه فقط لنطقهن بالشهادتين، وقصده من خلال هذا الزواج إنتشار الإسلام لقبائلهن وحلفاء قبائلهن، إلا في موضوع ذريته (صلى الله عليه وآله) فقد إختار الله له أحدى سيدات نساء العالمين خديجة الكبرى؛ لتنجب له الذرية الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها وعلى ابنتها السلام). أما لوطاً(عليه السلام) قد أراد أن يزوج بناته لمن كانوا يفعلون الخبائث فهذا النبي هو أيضاً أراد أن يمنع بهذا الفعل تلك الرذيلة التي كان يفعلها قومه، و يكسر طوق تلك العادة اللاأخلاقية.
إن من العبارات المشهورة للإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) هي قوله عن النساء: ((وكونوا من خيارهن على حذر، فلا تطيعوهن بالمعروف كيلا يطمعن بالمنكر)).
من هنا ينبثق السؤال: كيف أن الكلام من بداية البرنامج وحتى الآن يدعو لأختيار وخطبة صاحبة الدين والخلق وهي الخيرة، بينما الإمام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) يدعو إلى الحذر من خيار النساء؟ والجواب على هذا السؤال هو: إن الإمام (عليه السلام) إنما حذر في هذا المقطع من النساء المنافقات, وقد عبر عنهن بالخيرات؛ لأن المنافق في أغلب الأحيان يتكلم ويظهر كأنه خير، إلا أن باطنه زيف وظلال كما قال الله عنهم:{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} أما أن الإمام في هذا المقطع خصَّ النساء دون الرجال بل وحذر الرجال منهن؛ لأن المرأة المنافقة أخطر من الرجل المنافق في المجتمع، إذ أن المرأة بجمالها وأنوثتها سلاح إبليس ضد الرجل، بل ونقطة ضعفه, في حال إذا كانت منافقة تحاول أن تحكم السيطرة عليه من خلال هذا الشي لتنفذ رغباتها الخبثية فيه وفي المجتمع, أما قول الإمام (عليه السلام): ((لا تطيعوهن بالمعروف كي لا يطمعن بالمنكر)) أي أن المعروف من لسان المنافقة قد يكون منكراً؛ لأنها تقلب الحقائق بكونها منافقة، أو أنها تختبر طاعة الرجل لها بالمعروف لتدس من بعده المنكر، لذلك حذر الإمام(عليه السلام) من هذه النساء ومن الطاعة لهن، وإلا لوكان الإمام يقصد الحذر من النساء الخيرات حقاً، فإن الزهراء(عليها السلام)أخير النساء، فهل علينا أن نتحذر منها ولا نطيعها؟! وهي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، بالتأكيد لا.
كما أن الله ضرب مثلاً لإمرأتين في القرآن الكريم للذين آمن بأن يكونا قدوتين حتى للرجال، فكيف يأمر الإمام بعدم الطاعة للنساء، إلا إذا كان يقصد نساء معينات وهن المنافقات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: أنفسنا وأهلونا- الحلقة الثانية-الدورة البرامجية 29