( 29 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تعلم الصبر

كيف أتعلم الصبر ؟


ليس هناك صفة أخلاقية إلّا والصبر جزء لا يتجزأ منها إذ لا معنى للأخلاق الفاضلة كالشجاعة والكرم وحسن التعامل وغيرها إلّا إذا كان صاحبها يستديم عليها ويصبر على نتائجها، والصبر منبعه في القلب ونتيجته تكون في القلب فمن يمتلك صفة الصبر فهو يمتلك قلباً أكثر سكينة وطمأنينة، فكلما زاد صبر المرء كلما زاد قبوله للأمور ومن ثم سعادته في الحياة، فالحياة بدون الصبر محبطة للغاية ومن قلَّ صبره قلَّ تقبّله لما هو عليه ومن زاد صبره أضاف بُعداً إضافياً من السكينة والرضا على نفسه ومن ثم يحسن تعامله مع نفسه ومع الناس، والصبر من الصفات التي يمكن الحصول عليها وزيادتها وذلك عن طريق أمور عدة منها: أولاً: أن تفتح قلبك للزمن الذي تعيش فيه وإن لم تكن راغباً له: إنَّ علينا أن نعرف أنَّ درجة السكينة القلبية تتوقف على مدى قدرتنا للعيش في الوقت الحاضر، بصرف النظر عما حدث في الماضي البعيد أو بالأمس القريب وبصرف النظر عما يمكن أن يحدث لنا في الغد البعيد أو القريب أيضاً، إذ أنَّ الكثير من الناس يعيشون في حالةٍ من القلق الدائم على أمورٍ لم تحدث لهم أو أنَّها حدثت لهم ولكنهم لا يملكون القدرة على تغييرها، وهكذا فإنَّهم يجهلون حاضرهم تحت رحمة الماضي أو المستقبل مما يؤدي بهم إلى الشعور باليأس بيومٍ مضى ولن يتكرر، وإنَّ الذين ينتظرون يوماً أفضل من يومهم لا يسمحون لعقولهم بأن تعمل بما يضمن لهم عمل الأفضل في المستقبل بل أنَّهم سوف يكررون دائماً نفس الأعمال التي تسلب منهم الشعور بالبهجة والسعادة في أي وقت، فالذين لا يعيشون في حاضرهم يكررون دائماً الوسائل التي تؤدي بهم إلى الشعور بالإحباط، ويقول أحدهم في هذا الصدد: «في حين ننشغل بعمل خططٍ أخرى فإنَّ اطفالنا ينامون وأحباؤنا يبتعدون عنا ويموتون كما يسوء مظهر أجسامنا وكذلك فإنَّ أحلامنا تنسل من بين أصابعنا وباختصارٍ فإنَّنا نضيّع حياتنا»، فالعديد من الناس يعيشون وكأنَّ الحياة تجري لما سيحدث في المستقبل ولكن ليس هذا حالنا في واقع الأمر إذ ليس هناك ما يضمن حياة أيٍّ منّا في الغد، كما أنَّ الوقت الحاضر هو الوقت الوحيد الذي نملكه والوقت الوحيد الذي نسيطر عليه فعندما نركِّز على الوقت الحاضر فإنَّنا نُلقي بالخوف خارج عقولنا، فالخوف هو القلق بشأن الأحداث التي قد تقع في المستقبل كالقلق بشأن أن لا نملك قدَرَاً من المال الكافي أو أنَّنا سوف نعجز ونموت وغير ذلك ولكي نقاوم الخوف فإنَّ أفضل ما يمكن عمله هو أن نتعلم كيف نعيد تركيزنا على الوقت الحاضر. إنَّنا لا نستطيع أن نتحمل ثلاثة هموم متراكمة في وقتٍ واحد؛ همّ الماضي وهمّ الحاضر وهمّ المستقبل فلا بُدَّ أن نختار منها واحداً فهل نختار همّ الماضي الذي ذهب ولن يعود؟ أم همّ المستقبل الذي لم يأت بعد؟ إذن، لم يبق سوى همّ الحاضر إذ إنَّ الماضي والمستقبل لا وجود لهما إلّا عندما نفكر فيهما، فهما من دنيا الآراء والأفكار وليسا من الواقع فلماذا نُجهد أنفسنا في صنع الحسرات على الماضي أو على المستقبل وهنا يقول أحد الكتّاب: «إذا أردتَ أن تعيشَ سعيداً فَعِش يومَك»، ويقول الشاعر: ما مضى فاتَ والمؤمَّل غيبُ... لك الساعة التي أنتَ فيها وقال أحد الحكماء: «منتهى السعادة أن لا تأسف على ما مضى لأنَّه ليس فيه حيلة»، وفي الحقيقة فإنَّه ليس في مقدور أحدٍ أن يعيد الماضي أو يحدد المستقبل فالحاضر هو وحده ملكنا وهو إذ كذلك فليس لمدة طويلة، ومتى جاوزناه فلن يعود ملكنا مرة ثانية، فلماذا نهتم بيومنا بعد أن يصبح ماضياً حيث لا حيلة لنا فيه وندع الإهتمام به وهوحاضر نملك كل التصرف فيه؟ ثانياً: أن ننظر إلى الجانب المشرق من الحوادث: فقد يقول بعضهم كيف تطالبنا بأن نعيش في الوقت الحاضر وهو مثيرٌ لليأس والإحباط والقلق؟ ألا نجد أحياناً أنَّنا على موعدٍ هامٍ فإذا بنا نتعطل في زحمة المرور مما قد يُخسرنا الموعد وما يترتب على ذلك؟ أليس مثل هذا الحاضر بحدِّ ذاته مثيراً للقلق واليأس والتوتر؟ كلا، لإنَّ المطلوب منا أن نعيش في الوقت الحاضر مع الإصرار على أن ننظر إلى الجوانب المشرقة منه، فمثلاً إذا توقفنا في زحمة السير لماذا نفكر في الموعد الذي سوف نخسره، ولا نفكر في الفرصة المتاحة أمامناِ لكي نفكر مثلاً في أمورنا بعيداً عن الإنشغال بالآخرين، ولماذا لا نقول: «ولعلَّ الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي لعلمكَ بعاقبة الأمور؟ » فالكثير من الحوادث التي تثير ضيقنا هي حوادث جميلة في حدِّ ذاتها ولكن نظرتنا إليها تجعلها في نظرنا وكأنَّها قبيحة. ثالثاً: تدرَّب على الصبر: إنَّ الصبر من الصفات الإكتسابية وليس من المواهب التي لا دخل لإرادتنا فيها، فمن يريد أنَّ يصبر يكون باستطاعته أن يفعل ذلك ومن لا يرغب في أن يصبر يقول: «أنا لا أستطيع»، لإنَّ الصبر من صفات القلب التي يمكن زيادتها بدرجة كبيرة عن طريق الممارسة والتدريب المتعمَّد، وتتمثل إحدى الطُرق التي تزيد من الصبر في أن نجعل للنفس فترات تدريب فعلية أي فترات من الوقت نضعها في العقل للتدريب على فن الصبر فالحياة ذاتها عبارة عن مدرسة يعتمد منهجها على الصبر، ويقول أحد المؤلفين: «عندي أطفال صغار وهذا يمنحني العديد من الفرص للتدريب على فن الصبر على سبيل عندما تمطرني ابنتي بوابلٍ من الأسئلة في الوقت الذي أنا مشغولٌ فيه بإجراء مكالمةٍ هاتفية هامّة أقول لنفسي هناك فرصة عظيمة لأكون صبوراً وللنصف ساعة القادمة سوف أتحلى بالصبر قدر المستطاع»، لذا فإنَّ الشعور بالصبر يعطينا الفرصة الجيدة للإحتفاظ برؤيتنا الصائبة للأمور ويمكننا أن نتذكر حتى في غمار موقفٍ صعبٍ جداً بأنَّ التحدي الذي نواجهه في اللحظة الحاضرة ليس بمسألة حياة أو موت ولكن مجرد عقبة طفيفة علينا أن نتعامل معها ونتجاوزها، وبدون الصبر فإنَّ نفس هذا الموقف يمكن أن يتحول إلى حالة طوارئ تامة بما تحتوي عليه من ضيقٍ وإحباطٍ ومشاعرٍ مجروحة وضغط دمٍ مرتفع مع العلم أنَّ الأمر لا يستحق بالفعل كل ذلك، فسواء كنت تحتاج إلى التعامل مع الأطفال أو مع رئيسك في العمل أو مع شخصٍ صعبٍ وكنت لا ترغب في القلق بشأن صغائر الأمور فإنَّ زيادة قدرتك على الصبر تَعِدُّكَ بداية رائعة لذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر: برنامج كنز لا يبيد - الحلقة السادسة - الدورة البرامجية 27

4