( 29 سنة ) - العراق
منذ سنتين

الأمومة وحياة المرأة

هل تعد الأمومة ثقل في حياة المرأة؟


لنتساءل: هل تعد الأمومة ثقل في حياتنا أم أنَّها على العكس من ذلك؟ وهل تراجع حلم الأمومة في عقل وقلب المرأة وانكمشت السعادة بها وتضاءل الإحساس بالرضا عنها، وتنامت شكاوى الأمهات من الأبناء؟ وهل أنَّ هذا كله حدث بسبب التغيير الطارئ على حياتنا وتسارع إيقاع الحياة وحصار الضغوط اليومية المتعددة؟ أم لخروج المرأة إلى العمل؟ ولكن ماذا عن ربة المنزل التي لا تعمل والتي تتبرم من الأمومة وتراها أعباءً متصلة يتخللها وميض خاطف من المتعة، فنجد أنَّ بعض الأمهات يتذمرن من تصرفات الأبناء والبنات، ونجد أنَّهم يتميزون بالعناد والأنانية والعقوق والجحود والغباء واللامبالاة والتحدي، ففي البداية ينبغي أن نعرف أنَّ كل إنسان يتحمل مسؤولية توقعاته، ومن ذلك أنَّ الأم التي تتوقع أن تكون الأمومة مجرد رحلة لطيفة خالية من أي مشاكل، وأنَّها ستنعم فيها بكل مزايا الأمومة بصورة مجانية وبدون أن تقوم بتحمل أي أثمان هي أمٌّ غير واقعية، وعليها أن تختار إما أن تدفع الثمن طواعية بكامل إرادتها أو أن تدفعه مضطرة وتحت الإجبار والإذعان، والفارق كبير بين الحالتين، ولعل الذكاء يقودنا إلى ضرورة اختيار الوضع الأول، فعندما ندفع الثمن باختيارنا وبكامل الرضا الجميل، فإنَّنا نستمتع لأقصى درجة بما حصلنا عليه، وسنرى الجوانب الجميلة بل والمضيئة فيه أيضاً، مما يقودنا إلى التعامل الذكي والإيجابي دون حدة أو مبالغة مع الجوانب السيئة في الأمومة، وسنكون أكثر قدرة على تقليصها لأقل ما يمكن، مع ضرورة الاحتفال بذلك وعدم تضخيم المعاناة وطردها أولاً فأول، واستبدال احتضان الشكر الواعي والمتجدد دوماً للخالق عز وجل بها؛ لأنَّه وهبنا بفضله وكرمه وإحسانه نعمة الأمومة، وهي نعمة جميلة لا يقدرها حق قدرها إلا من كابد الحرمان منها أو اقترب تماماً ممن تعرض لهذه المحنة القاسية فعلاً، وعلينا أخواتي تذكر هؤلاء المحرومات وأن ندعو لهن دائماً بالتعويض الجميل وأن نشكر الرحمن على المعافاة من هذا الابتلاء وأن يديم الله علينا هذه النعمة الجميلة، وأن يمنحنا القوة والقدرة والحكمة على استقبالها بما يليق بها والاستمتاع بها في الحياة الدنيا وجعلها وسيلة مضمونة بمشيئة الله للفوز بالجنة التي أخبرنا رسولنا الكريم(ص) بأنَّها تحت أقدام الأمهات، وأن نكون من هؤلاء الأمهات. أما الاختيار الثاني فهو أن نرفض دفع تبعات الأمومة بنفس راضية ونتبرم، فيقودنا إلى طريق مسدود؛ حيث سنقوم رغماً عنا بدفع هذا الثمن بعد أن تناسينا أنَّه لا يوجد أي شيء في الحياة مهما كان يتضمن المكاسب خالصة تماماً دون بذل أي جهد أو تحمل بعض ما قد يضايقنا، والمرأة الذكية وحدها هي التي تعيد شحن طاقتها النفسية والعاطفية بل والجسدية أيضاً عن طريق تذكر النصف المملوء أي الاستغراق في تأمل مكاسبها من الأمومة والتعامل من بعد مع النصف الفارغ -وهو الأقل– حتى تقلل من حدة امتصاصها له. لقد كنتِ أنت أيضاً إبنة تثير المشاكل لأهلها من آن لآخر، ولم تكوني الملاك الذي يطير بجناحين، وكان أهلنا أكثر صبراً وأقل غضباً لأخطائنا وبقية الأبناء، وكان لديهم استعداد أفضل للتعامل بهدوء مع مشاكلنا، وهو ما تفتقده نسبة كبيرة من أمهات اليوم، ويجب أن نتذكر دائماً أنَّه لم يوجد على وجه الكون الابن الذي يسبب لأهله بعض المتاعب من آن لآخر، فلنكن واقعيين وندير حياتنا بذكاء، ونتذكر اختلاف الأجيال أيضاً، وأنَّنا لم يكن يعجبنا الكثير من تصرفات أهلنا -وقتئذ-، وكم استغرقنا في البكاء والغيظ من تصرفاتهم ثم تغيرت مواقفنا بعد أن كبرنا وأصبحنا أمهات، وليس من العدل ولا من الذكاء أن نطالب أولادنا بما عجزنا نحن عن فعله في مثل سنهم، وعلينا أيضاً أن نستبدل لغة التبرم بلغة التقبل لمشاكلهم اليومية المتراكمة والتفهم بضرورة وجود مقاومة من الأبناء لمحاولة تعليمهم كيفية عيشهم بصورة أفضل على كافة المستويات، وأن نعي أنَّهم يقاوموننا ليس من قبيل التحدي أو الكراهية لنا، ولكنهم يفعلون ذلك لأمر بسيط تماماً وهو وجود تعارض بين ما نريده وبين ما يرغبون فيه، ومع تأكدنا أنَّ ما نريده هو الأفضل لهم، فعلينا أن نتفهم أنَّهم بخبراتهم المحدودة لا يرون ذلك ويفضلون أن تسير الحياة وفقاً لما يريدونه هم، وهو يماثل تماماً ما كنا نراه ونحن في مثل سنهم، فلنهمس في أذن وقلب كل أم قائلين: «استمتعي بأمومتك، وتنفسي النعم الكامنة فيها، وسيساعدك ذلك كثيراً على تحمل المسؤولية، وتذكري أنَّ المسؤولية تمنحك النضج والتمييز حتى لا يمضي العمر بلا إنجازات، ورتبي أولوياتك وضعي الأمومة في مرتبة أولى فهي أهم من العمل وإن كان يمكن الجمع بينهما بنجاح، كما أنَّها أهم من صديقاتك، وتذكري دائماً أنَّ أعباء الأمومة سيختفي ألمها بعد نظرة رضى من عين طفلك أو إحساس بأمان في قلبه، ولا تنسي ما هو أبقى وأجمل وهو جزاؤك عند خالقك، ودائماً ما نقول إنَّ أجمل ما في الكون أن تكون المرأة أماً». ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر: برنامج نبض الحياة- الحلقة الرابعة-الدورة البرامجية 31

1