تربية الأبناء وغياب الأب
مدى تأثير غياب الأب على تربية الأبناء
أولاً وقبل كل شيء دعنا نتكلم عن أهمية تواجد الأب في العائلة والمشاركة في تربية الأبناء منذ نعومة أظافرهم، فوجود الأب ضروري جداً ويعني الحماية ويعني الرعاية ويعني القدوة ويعني السلطة ويعني التكامل الأسري، أن الأطفال بحاجة لأن يشعروا بأن هناك حماية و رعاية وإرشاء وتقويم تختلف عن ما وجدوه عند الأم، وبأن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة وهو المسؤول عن رعيته.
وقد أكدت الدراسات التي أجريت حول أسباب فشل الأبناء في الدراسة والحياة العملية أو تزايد حالات الإدمان أو العنف: أن أحد أهم الأسباب هو غياب دور الأب داخل الأسرة، إما لغيابه المستمر بسبب العمل أو غيره، أو لعدم تأثيره واحتكاكه بأبنائه وترك المسؤولية كاملة ملقاة على عاتق الأم، وينعكس غياب الأب في النهاية على جميع أفراد الأسرة لإهماله لهم، وينتج عن غيابه الضياع للأبناء والخسران.
كلنا نعرف أن الأب هو مصدر السلطة في المنزل، وبإمكان كل أب أن يتدارك ما فات من الإهمال لأبنائه وعدم متابعته لهم، في أن يبدأ بالإهتمام بهم ويحاول مصاحبتهم ومعرفة أفكارهم وميولهم وهواياتهم، ويحاول أن يساعدهم في حل مشاكلهم ومعرفة أصدقائهم دون التدخل المباشر في إختيارهم ويكون لهم الصديق المخلص المتواجد حتى ولو كان غائباً؛ لأن وجود الأب في حياة الأبناء مهم جداً لإرشادهم وتقويمهم إذا انحرف أحد منهم، وإستخدام الشدة والحزم في وقت الحاجة إلى جانب الرفق والتسامح، فإحساس الأبناء بوجود رادع لهم إذا أخطئوا يجعلهم على حذر من الوقوع بالخطأ، واقتراب الأب من أبنائه وتمضية الوقت الكافي معهم ومحاولة تفهم مشاكلهم وطلباتهم والنقاش معهم يعطيهم الثقة بالنفس، وبأن لديهم الصدر الحنون الذي يلجأون له عندما يصعب عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم، فيبعد بهذا عنهم شبح الضياع وحل الأمور الصعبة بالطريقة الخاطئة والتي تؤدي بهم إلى طريق السوء. نعم الأبناء بحاجة إلى الأم ولكن في سن معين يحتاج الأبناء إلى الأب، وقد أجريت دراسة على 17،000 طفل ووجد أن:
- البنات اللاتي نشأن بين أم وأب كن أقل عرضة للأمراض النفسية.
- الأولاد الذين كانت علاقتهم جيدة مع آبائهم كانوا بعيدين عن مشاكل العنف والإجرام.
- الأولاد الذين كانوا قريبين من آبائهم لم يكن لديهم مشاكل عاطفية أو نفسية، أيضاً حياتهم المستقبلية في -الدراسة وغيرها كانت أكثر إستقراراً.
- تدخل الأب في تربية الأطفال منذ طفولتهم جعل التواصل معهم سهلاً في جميع مراحل العمر التالية، وبالتالي لديهم الثقة بالنفس.
وهذه النتائج أظهرت أن العلاقة السليمة والتربية الصحيحة بين الآباء والأبناء لا تتوقف فقط على تواجد الأب، بل على مدى تواصل الأب مع أبنائه، وهنا نقول أن على عاتق الأب والأم إحداث التوازن النفسي للأبناء وإكسابهم العادات والسلوكيات السليمة، والضبط والربط وتقويم السلوك الخاطئ، وأن يكونا متفاهمين في طريقة وأسلوب تربية الأطفال منذ البداية، وأن يتعاونا معاً في تنشئة أبنائهم التنشئة الصحيحة حتى يشبوا بعيدين عن الأمراض النفسية والمشاكل المعقدة، ويكون لديهم الثقة بالنفس والتخطيط الصحيح لمستقبل أفضل، فالأسرة الطبيعية هي التي تتكون من الأب والأم والأبناء، وكل منهم له دور محدد يكمل الدور الآخر لخلق أسرة سوية تسهم في بناء مجتمع ناجح.
المسألة المهمة التي يجب الإلتفات إليها هي: أن بعض الأبناء يتم تجاهلهم من قبل أسرهم ولا يولون الإهتمام كما يجب ويفترض، فالبعض يهتم بجمع الأموال وبأثاث البيت وديكوراته أكثر من إهتمامه بأبنائه، ومع أن الأموال و زخارف الدنيا هي وسائل ينبغي إستخدامها في سبيل نمو وتقدم الإنسان، حيث أنها أصبحت هدفاً بحد ذاتها لدى هؤلاء الآباء وأهم من الأبناء ومن الإعتناء بتربيتهم، وقد يكون هناك إهتمام بالأبناء لدى البعض، لكنه إهتمام بتوفير المأكل والملبس فقط، وليس بالقرب العاطفي والنفسي. إن إزالة الغبار عن أثاث البيت وتنظيف زجاجات الأبواب والنوافذ وما إلى ذلك هي من الأعمال اليومية المعتادة لدى الأمهات والآباء، غير أن إزالة الغبار عن قلوب أبنائهم والإعتناء بهم تربوياً لا وجود لها في جدول أعمالهم