إن المجتمعات الحديثة وقد خرجت فيها المرأة مع الرجل الى العمل جعلت الابوين منصرفين عن العناية والرعاية لأطفالهما لأنهما يعودان من العمل منهكين متعبين محتاجين الى الراحة الجسدية مما يفقد أبنائهما عواطف المحبة والرحمة والنظر في مشاكلهم التربوية والتعليمية وحاجتهم الى الحنان والرعاية ومثل هذه الاسرة لا تفقد أبنائها مما تقدم ذكره فحسب بل تجعلهم يتعلمون كثيراً من أنواع السلوك السيء والعادات الضارة من الشارع أو صحبة الاشرار.
إن من يريد لأسرته وأولاده أن ينشأوا النشأة الصحيحة فعليه أن يتخلى عن بعض الجوانب التي تعود بالضرر على الاسرة من جهة التقصيرفي الادارة والتوجيه وان كان ذلك قد يسبب له ضرراً مادياً فسلامة الأسرة واستقامتها أهم بكثير من النفع المادي.
تخلي الأسرة عن بعض وظائفها:
إن الأمر لو توقف عند حد مشاركة بعض المؤسسات للأسرة في وظائفها لكان هيناً ولكن الامر في العصور الحديثة- قد تفاقم الى الحد الذي بدأت فيه الاسرة ذاتها تتخلى عن بعض وظائفها بدوافع شتى منها السعي وراء المنافع المادية وإهمال جانب الاولاد.
فقد تخلت الاسرة عن بعض ما كانت تقوم به بالرغم من أنها ظلت المؤسسة الاولى في حياة المجتمع الحديث أيضاً في التربية.
إن التغيرات الاجتماعية وابتعاد الناس عن التمسك بالدين وبالمنهاج الذي رسمه في قيادة الاسرة قاد الى مثل هذه النتائج الوخيمة لقد فقدت الاسرة نتيجة التغيرات الاجتماعية كثيراً من وظائفها التي كانت تقوم بها عن ذي قبل فأدى ذلك الى تفكك الاسرة وانهيار الروابط التي كانت تربطها فيما قبل.
إذن، فهناك أسباب جاءت من قبل المجتمع فيمكن درج تلك الاسباب التي أدت الى تخلي الاسرة عن بعض وظائفها مما أدى الى انحلال روابطها بالتالي:
1- انهماك الابوين واشغالهما عن الاولاد ووظيفة توجيههم ورعايتهم بالسعي وراء المطالب الدنيوية والمنافع الاقتصادية تاركين جانباً الاسرة كالسفينة التي تتقاذفها امواج البحر نتيجة فقدان ربانها.
2-عدم اهتمام الاهل بالاعلام الموجه ضد الروابط العائلية لذا يتعين على الاهل توخي الحذر من البرامج التي تضلل الاولاد وتدفعهم الى التمرد على الأسرة وروابطها.
3- الابتعاد عن الدين وهذا أمر خطير جداً فالدين الالهي هو الذي يحث على الحفاظ على هذا الكيان المقدس والقوف بوجه من يحاول تهديد امنه وسلامته؛ فالرجوع للدين ضمان لسلامة العائلة إذ فيه النهج الذي يمكن من خلاله المحافظة على الأسرة.
إن الأمر المخيف هو ازدياد الأمر سوءاً وتفشي هذه الحالة الاجتماعية بصورة تدريجية حتى يخشى أن يصل اليوم الذي تفقد الاسرة أو تتخلى فيه عن جميع وظائفها التي كانت تقوم بها، وهذا الامر من نتائج الاضطراب الاخلاقي الذي تعيشه المجتمعات في العصور الحديثة.
مكانة المرأة في الاسرة:
إن المرأة تعد بلا شك العماد الذي تقوم عليه هذه المؤسسة المقدسة الاسرة والمحور العاطفي الذي يدور حوله جميع أعضاء الاسرة ليستمدوا منه أسباب العطف والشمعة الموقدة بالحب التي تشد أليها فراشات الاسرة وذلك أن الاسرة انما يجمعها إطار المنزل والمرأة بما أنها المسؤولة عن شؤون هذا الكيان الذي يلف أعضاء الاسرة كان للمراة الدور الكبير في الأسرة.
فنحن نرى - مثلاً- بأنه لو فقد الأب من الاسرة قلما تتعرض الأسرة للتفكك وذلك أن حنان الام يمكن أن يشد أعضاء الاسرة اليها وحتى لو فرض أن المراة تزوجت بغير الأب فإن ثمرة هذا الزواج أعني الأولاد الجدد سوف لا يدب بينهم البغض والشحناء وذلك أن الامن توزع حنانها للجميع وتجمع قلوب الجميع على المحبة.
أما لو فرض العكس فإن الاولاد الجدد سوف لا يحملون الود للاخوة من أبيهم غالباً وذلك أن الاب لم يكن جليس البيت كي يتمكن من جمع هذه القلوب وزوجة الاب يندر أن تربي أولادها على هذا الحب الا القلة النادرة، لقد كانت المرأة فيما قبل مستقرة في بيتها تعنى بتربية أولادها والقيام بشؤون زوجها وكانت تقوم مقام المعلم بين أبنائها مشتركة مع الرجل في ذلك.
نظرة أخرى لحياة المرأة ومكانتها في التأريخ:
إن ما تعرضت له المراة على أيدي الجهلة على مر التاريخ أمر يثير الدهشة، فالمرأة بنظر من كانوا يعيشون بعيداً عنم منطق الحق ونور الوحي كانت بمثابة أداة ووسيلة لإرضاء غرائز الرجل.
وكانوا يرون خطورة تعلمها القراءة والكتابة ولا يسمحون لها بالخروج من الدار لقضاء الحاجات الحياتية وزيادة الأرحام ويحددون حياتها بين جدران المنزل ويعدونها فاقدة للاختيار أزاء الرجل الذي يعتبرونه فعالاً لما يريد.
ففي المناطق المسيحية التي انحرف فيها الناس كثيراً عن الديانة المسيحية كانوا يقولون: " يجب كم فم المرأة كما يكم فم الكلب(أجلكم الله) وكانوا يشككون في روح المرأة هل هي روح بشرية أم حيوانية.
وكانت المرأة في أفريقيا تعامل كالبضاعة والثروة ولا يرون لها قيمة أكثر من قيمة البقرة أو رأس الغنم، وإما في الدين الاسلامي فإن المرأة هي ينبوع الكمال والحقائق الكامنة.
والتي تتفجر حين يشرق عليها نور هداية الوحي وتخضع لتربية معلم يتصف بالصلاح وتصبح مصدراً لمعطيات خالدة ومناهل دائمية.
إن المرأة تمثل مصدر الخير وينبوعه وحرث الانسانية وهي لباسكم في الدنيا ومدعاة الراحة وهي الريحانة التي تزين حديقة الوجود وهي نعمة الله.
فاعرفوا أيها الآباء والأمهات قدر البنت وقدروا أيها الرجال زوجاتكم الطاهرات الصالحات فالبنت والزوجة غدير خير لدنيا الانسان وآخرته.
المحافظة على الأسرة من التهمة:
إن السلوك والتصرف والمعاشرة ومصاحبة الآخرين يجب أن تكون في نظر الإسلام بنحو لا يعرض الأسرة أو الفرد للتهمة إذ إن التهمة تطيح بصرح الأسرة وتثير المتاعب والمنغصات وتعكر صفو الحياة؛
فربما يواجه المرء موقفاً أو فعلاً أو شخصاً يرى عدم وجود مانع من التعامل معه غير أن الاخرين ونظراً لجهلهم بواقع الامر وعدم إمساكهم لألسنتهم عن تقييم الامور فإنهم يشيعون ما يحصل بين الناس بصورة مغايرة وحينها تتغير نظرة الناس لا سيما الجيران حول الشخص وبذلك توجه ضربة ماحقة بحيثية الأسرة وكرامتها وتلحق خسارة فادحة بمستقبل الاسرة وأبنائها فإذا أراد الدخول بعملية تجارية أو حاول إقامة علاقات مع أصدقاء له أو أراد تزويج ابنه أو بنته فإن ذلك يحول دون انجاز هذه الاعمال البناءة نتيجة تلك التهمة التي وقعت بلا مبرر إلا أن الانسان تسبب بها نتيجة لفعلته.
قال الإمام علي(ع): " يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن يدخل مداخل السوء يتهم ومن لا يملك لسانه يندم".
لذلك يتعين على رب الأسرة وزوجته وأولادهما الابتعاد عن مواطن التهمة وأن لا يضعوا أنفسهم فيما ينال من كرامتهم إذ أن الإسلام يعتني كثيراً بهذا الشأن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مرفأ الأسرة - الحلقة الثامنة - الدورة السابعة.