( 29 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

زعزع استقرار الأسرة

ما هي أبرز العوامل التي تزعزع استقرار الأسرة؟


كما نعلم أخواتي أنَّ الزواج سكن ومودة لطرفي العلاقة الزوجية، ومن شأن السكن والمودة أن يتصف بالديمومة والمودة والثبات والاستقرار، لكن مع فقدان الوعي وارتفاع نسبة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، يبقى ذلك السكن أملاً منشوداً؛ إذ من شأن تلك الضغوط أن تزعزع استقرار الأسرة، وتقتحم عليها ذلك الهدوء، وحينما نتكلم عن المشاكل الزوجية فلا نقصد بعض الاختلافات في وجهات النظر أو حالات عارضة نتيجة ظرف مؤقت أو طارئ، ولكننا نتكلم عن تلك التي تنشأ عن أسباب حقيقية وجوهرية، حتى ولو لم يتم الإفصاح عنها، ومع كونها أصل المشاكل، فإنَّنا حين نتكلم عن أصول المشاكل وجذورها يمكن أن نرجعها إلى أربعة أسباب رئيسة وهي: «سوء الاختيار، عدم التفاهم في القضايا الأساسية، اختلاف النشأة الأولى، عدم فهم الحاجات النفسية والعاطفية». وبالنسبة لسوء الاختيار، فلقد أكد الإسلام أول ما أكد على حسن اختيار شريك الحياة ورفيق العمر، وعدَّ حسن الاختيار من عوامل تحقيق سلامة الحياة الزوجية، ومن تباشير الوفاق والمودة بين الزوجين، وما ذلك إلا لأنَّ الاختيار خطير، إذ كثيراً ما تطيش الرغبات بمن يقدم على الزواج، وتستبد بهم الشهوات، فتجرفهم في تيارها بسبب جمال فاتن، أو كثرة مال، أو كبر مكانة، لا يكون وراءها حصانة من دين أو خلق، فتكون الحياة الزوجية شراً وناراً مستطيراً تنفذ جمراته في جوانح الزوجين، ثم ينتقل أثره إلى الذرِّية إن رُزقوا بذرّية، فتتصدع أواصر الزوجية وتتقطع روابط الأسرة، وتغرس العداوة، ثم يحصل أبغض الحلال؛ لأنَّ الأساس الذي قام عليه الزواج كان خطأً وهذا ما حذرنا ديننا منه، حيث قال الرسول الكريم: «إياكم وخضراء الدِّمَن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: هي المرأة الحسناء في منبت السوء». إذن، الاختيار الصحيح الذي سيجابه الدين والخلق والأصل الكريم، قاصم من قواصم المشاكل الزوجية، لأنَّ الدين وقواعده الربانية هو القاعدة السليمة لحلِّ أيّ خلاف بعد نشوئه، واجتنابه قبل وقوعه، ولا أمان لمن لا إيمان له، ولا دين لمن لا يحمي دينه، ويمكن القول إنَّ ضعف الوازع الديني في شريك الحياة هو أُس البلاء وأساس المشاكل. وعامل آخر هو عدم الكفاءة، فعدم تكافؤ الزوجين يتبلور من حيث الوعي والتعليم والإمكانيات والمفاهيم التي تعمق الفجوة، وتضاعف مسافات البعد في الرؤية والفهم، وذلك نتيجة للحصيلة الثقافية والتعليمية التي تخلق صوراً مختلفة لتفسير الأمر مما يضاعف من حجم المشكلة ووزنها وأبعادها، ويخلق من المسائل العادية مشاكل كبرى بسبب سوء الفهم، أو عدم القدرة على التقييم السليم، أو النضج في الاستيعاب والتعبير. وإنَّ عنصر الكفاءة ليس باباً من أبواب الطبقية، ولا نوعاً من أنواع التعالي والاستكبار، وإنَّما هو تنظيم أُريدَ به حماية الأسرة من عدم الرضا بين أفرادها، ومن ضعف التلاحم بين أعضائها، كما أُريدَ به مراعاة حق المرأة في زواج تطمئن إليه وحق الولد في موجِّه يثق به، وحق المجتمع في أسرة تمده بالحب عن رضا، وبالتكافل عن قوة، ولا شيء وراء ذلك من طبقية أو عنصرية. أما عامل فارق السن، ففارق السن المناسب يجعل الزواج أكثر استقراراً وثباتاً، بحيث يجعل المرأة تقدر زوجها أكثر وتنظر إليه نظرة احترام وتقدير؛ لأنَّه الأكبر والأكثر خبرة، وهكذا تسير السفينة بربان واحد وسط أمواج الحياة الهادرة، وينشأ الأطفال في جو طبيعي، وليس معنى ذلك أنَّ الزواج الذي لا يراعي فارق السن محكوم عليه بالفشل، فكثير من الأُسر تعيش سعيدة بالرغم من ذلك، ولكن الحديث هنا عن الوضع الأفضل والأمثل؛ لأنَّ صورالزواج التي لم يُراعَ فيها فرق السِّن تتنافى مع الحكمة التشريعية المرجوة منه، من ناحية الإشباع والإحصان النفسي، ولو كان في الزمن الماضي يمكن أن يستمر هذا النوع من الزواج وتتحقق منه بعض المصالح، فإنَّ الوضع الآن اختلف وحاجات الرجل والمرأة من بعضهما الآخر قد اختلفت فيجب أن يُراعى ذلك. ومن العوامل المهمة الأخرى هو عدم الفهم الصحيح لمعنى الزواج، فهناك فئة من الناس تفهم الزواج على إنَّه استئناس وإنجاب فقط، وأما ما وراء ذلك من مسؤوليات وما تتطلبه الحياة الزوجية من كدح وتعاون وتربية أبناء صلحاء وما تستوجبه من إدراك سليم وحس صادق، ومعاملة حكيمة وتقديس للحق والواجب، والتزام بحدود الله فلا نكاد نهتم به، بل ربَّما لا يخطر على بال بعضنا وقد يحلو لبعض الناس أن يسمي الزواج مؤسسة الزواج، وهي كذلك؛ لأنَّها مؤسسة تحتاج إلى أنواع مختلفة من الإدارة سواء كانت مالية أو تربوية، ولا بدَّ لمن يريد الزواج أن يعد العدة لتحمل تلك المسؤولية، ولذلك من يفهم الزواج على أنَّه متعة وإنجاب فقط عندما يصطدم بالواقع المخالف تبدأ معه الخلافات والمشاكل؛ لأنَّه لم يؤهل نفسه لتحمل تلك المسؤوليات. كما إنَّ عدم التفاهم بين الزوجين في القضايا الأساسية يعد من العوامل التي تزعزع استقرار الأسرة، فإنَّ مسألة المال والحقوق المالية من المسائل الهامة التي إن لم يتم التفاهم عليها بين الزوجين دبَّ الخلاف في تلك الأسرة، حيث إنَّ المال هو عصب الحياة وعليه تقوم أمور الناس وتتحقق مطالبهم، وغالباً ما تنشأ المشاكل في هذا الموضوع من النفقة وحدودها، وإسراف الزوجة، والذمة المالية للزوجة والنفقة والتقتير فيها. إنَّ نفقة الزوج على زوجته واجبة بالكتاب والسنة والإجماع،حيث قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، ويجب أن يكون المعروف من غير إفراط ولا تفريط، وإنَّما استحقت الزوجة هذه النفقة لتمكينها له من الاستمتاع بها، وطاعتها له، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة أطفاله، وتربية أولاده، وتبدأ المشاكل عندما تعلم المرأة أنَّ زوجها ميسور الحال وله قدرة في التوسعة عليها وعلى أبنائها ومع ذلك تراه يمسك عليها ويقتر على أبنائها، فتبدأ المطالبة والأمتناع وتظهر المشاكل، وبمعرفتنا لهذه العوامل نتمكن من تجنبها أو التقليل منها في حياتنا؛ كي تسير بنا مركبة الحياة في الطريق السليم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر: برنامج المدرسة الأولى- الحلقة الرابعة- الدورة 27.

2