ما معنى
قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله نبيا ولا رسولا حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما يضمر النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، والعقلاء هم أولو الألباب، الذين قال الله تعالى: (وما يتذكر إلا أولو الألباب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم في تطبيقكم المجيب
انقل لكم شرح المولى محمد صالح المازندراني في شرحه على أصول الكافي ج1: ص88 وكلامه طويل انقله لكم بتصرف .
((المقصود أنّ العقل أفضل من جميع ما قسمه الله تعالى للعباد وسرّ ذلك أنّ العقل مناط لجميع الفيوضات الدّنيويّة والاُخرويّة وليس شيء من الأغيار بهذه المثابة ، والجهل بحكم المقابلة أخسّ من جميع الأشياء فيظهر وجه التفريع في قوله
( فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ) يعني للعبادة وذلك لأنّ حقيقة السهر وإن كان أفضل من حقيقة النوم إلاّ أنّ النوم المقارن للعقل أفضل وأشرف من السهر المقارن للجهل بحكم المقابلة اذ العلم بحد نفسه افضل من الجهل.
او لأنّ العاقل لا ينام إلاّ بطهارة ودعاء والملائكة يستغفرون له ويكتبون له الصّلاة ما دام نائماً ، كما نطقت به الأخبار وظاهر أنّ استغفار الملائكة والصّلاة المكتوبة له أفضل من عبادة الجاهل
( وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ) أي انتقاله من بلد إلى بلد في طاعة الله
تعالى كالحجّ والجهاد ونحوهما مع أنّ في الشخوص مشقّة زائدة على الإقامة وذلك لأنّ عقل العاقل وإن كان جسمه مقيماً سائر في المقامات العالية التي لا تخطر ببال الجاهل أبداً وله في كلّ آن سفر روحانيّ وشهود ربانيّ ولا شبهة في أنّ سير الرّوح في معارج العرفان مع سكون الجسم أفضل من سير الجسم في البلدان مع سكون الرّوح
او لأنّ روح الطاعة واعتبارها هو النيّة وقصد القرية ولا يحصل ذلك إلاّ بالمعرفة واليقين والجاهل بمعزل عنهما
( ولا بعث الله نبيّاً ولا رسولا ) من باب ذكر الخاصّ بعد العام لأنّ النّبي أعمّ من الرسول كما سيجيء في الباب الثالث من كتاب الحجّة .
( حتّى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمّته ) لأنّه واسطة بينهم وبين الله تعالى فيستحيل أن يكون في أُمّته من هو أفضل منه عقلا أو مساوياً ; لاستحالة ترجيح المفضول على الأفضل وترجيح أحد المساويين على الآخر وفيه مدح عظيم للعقل والعقلاء حيث حكم بأنّ التفاضل في الدّرجة والتشريف بشرف النبوّة والرّسالة إنّما حصل به ولذلك صار خاتم المرسلين أشرف المخلوقات أجمعين
( وما يضمر النّبي ( صلى الله عليه وآله ) نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ) لكون عقله أفضل وأرفع من عقولهم لأنّ عقله لشدّة اتّصاله بنور الحقِّ جلَّ شأنه كمال محض لا نقص فيه قطعاً ونور صرف لا يشوبه ظلمة أصلا وذلك الاتّصال بمنزلة اتّصال الحديد بالنار وتأثّره منها بحيث يصير ناراً صرفاً يمحو هويّته حتّى يؤثر في غيره مثل تأثيرها
( وما أدّى العبد فرائض الله حتّى عقل عنه ) أي عقل عن الله وعرفه حقّ معرفته وعلم ما يصحّ عنه وما يمتنع عليه وحقّ أمره فيما أراده من الفرائض والأحكام وذلك ظاهر لأن أداء الفرائض لا يتصوّر بدون معرفتها المتوقفة على معرفته تعالى ومعرفته لا يتصوّر بدون العقل هو الأصل لجميع ذلك
( ولا بلغ جميع العابدين ) أي مجموعهم من حيث المجموع أو كلّ واحد منهم
( في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ) أي في فضل عبادته أو في عقله عن الله وأحكامه وعلمه بهما لأن العقل أصل للعبادة وروح لها إذ به يحصل الخوف والخشية والخضوع الموجبة لصعودها إلى محلِّ القبول ، وانحطاط الفرع عن
الأصل وعدم صعود العبادة الفاقدة لروحها بيّن لا سترة فيه
( والعقلاء هم أولو الألباب ) في تعريف الخبر باللاّم وتوسيطه بضمير الفصل تنبيه على التخصيص والتأكيد أي على قصر المسند على المسند إليه كما هو الشايع في مثل زيد هو الأمير ، أو على قصر المسند إليه على المسند ، فإنّه قد يجيء لهذا
المعنى أيضاً كما في قولهم : الكرم هو التقوى أي لا كرم إلاّ التّقوى ، وهذا أنسب بالمقام لأنّ الظاهر أنَّ المقصود حصر العقلاء بأنّهم ليسوا إلاّ أولو الألباب الذين مدحهم الله تعالى في الكتاب ، ويحتمل أن يكون المراد بيان اتّحاد المفهومين يعني إذا حصلت مفهوم أولو الألباب وتقرَّر ذلك في ذهنك وتصوَّرته حقّ تصوُّره فقد عرفت مفهوم العقلاء وحقيقتهم ، فإنّه لا مفهوم لهم وراء ذلك فليس هناك حمل
بحسب المعنى ولا قصر ، وقد صرّح أئمة العربيّة بجواز إرادة هذا المعنى في مثل هذا التركيب منهم الشيخ في دلائل الإعجاز .
( الذين قال الله تعالى ) في مدحهم والجملة صفة لاُولي الألباب أو للعقلاء
( وما يتذكر إلاّ أولو الألباب ) وهم الذين اتّصفوا بنور البصائر وجودة الأذهان وشاهدوا المعارف مشاهدة العيان واهتدوا إليها لتجرُّد عقولهم عن غواشي الحواس وعلايق الأبدان وصعدوا لسلامة عقولهم معارج اليقين فصاورا أهل الذكر ومنبع العرفان الذين فرض الله سبحانه رجوع العباد إليهم بقوله : ( فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) فالمتمسّكون بهم متمسّكون بحبل الله وهم مهتدون)).
تحياتي لكم
ودمتم بحفظ الله ورعايته