~ ام محمد ~ ( 36 سنة ) - العراق
منذ سنتين

استفسار او شبهة

السلام عليكم عندي شبهة او استفسار لا اعرف في سورة مريم المباركة يطلب النبي زكريا عليه السلام من الله تعالى ولياً يرثه كما ذُكِر في الايات المباركات بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا وبعد ان استجاب رب العالمين دعاؤه قال النبي زكريا عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا هنا لماذا قال النبي عليه السلام هكذا وهو طلب من الله تعالى ان يهب له ولياً يرثه ؟ استغفر الله يعني هو النبي عليه السلام طلب من رب العالمين بعد ليش يعني يتعجب ؟ ارجو التوضيح رحم الله والديكم


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ٤٠٩-٤١٢: تبين هذه الآيات استجابة دعاء زكرى (عليه السلام) من قبل الله تعالى استجابة ممزوجة بلطفه الكريم وعنايته الخاصة، وتبدأ بهذه الجملة: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا. كم هو رائع وجميل أن يستجيب الله دعاء عبده بهذه الصورة، ويطلعه ببشارته على تحقيق مراده، وفي مقابل طلب الولد فإنه يعطيه مولدا ذكرا، ويسميه أيضا بنفسه، ويضيف إلى ذلك أن هذا الولد قد تفرد بأمور لم يسبقه أحد بها. لأن قوله: لم نجعل له من قبل سميا وإن كانت تعني ظاهرا بأن أحدا لم يسم باسمه لحد ولادته، لكن لما لم يكن الاسم لوحده دليلا على شخصية أحد، فسيصبح من المعلوم أن المراد من الاسم هنا هو المسمى، أي أحدا قبله لم يكن يمتلك هذه الامتيازات، كما ذهب الراغب الأصفهاني إلى هذا المعنى - بصراحة - في مفرداته. لا شك في وجود أنبياء كبار قبل يحيى، بل وأسمى منه، إلا أنه لا مانع مطلقا من أن يكون ليحيى خصوصيات تختص به، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك فيما بعد. أما زكريا الذي كان يرى أن الأسباب الظاهرية لا تساعد على الوصول إلى مثل هذه الأمنية، فإنه طلب توضيحا لهذه الحالة من الله سبحانه: قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا. " عاقر " في الأصل من لفظة " عقر " بمعنى الجذر والنهاية، أو بمعنى الحبس، وإنما يقال للمرأة: عاقر، لأن قابليتها على الولادة قد انتهت، أو لأن إنجاب الأولاد محبوس عنها. " العتي " تعني الشخص الذي نحل جسمه وضعف هيكله، وهي الحالة التي تظهر على الإنسان عند شيخوخته. إلا أن زكريا سمع في جواب سؤاله قول الله سبحانه: قال كذلك قال ربك هو علي هين (1). إن هذه ليست بالمسألة العجيبة، أن يولد مولود من رجل طاعن في السن مثلك، وامرأة عقيم ظاهرا وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا، فإن الله قادر على أن يخلق كل شئ من العدم، فلا عجب أن يتلطف عليك بولد في هذا السن وفي هذه الظروف. ولا شك أن المبشر والمتكلم في الآية الأولى هو الله سبحانه، إلا أن البحث في أنه هو المتكلم في الآية الثالثة: قال كذلك قال ربك هو علي هين. ذهب البعض بأن المتكلم هم الملائكة الذين كانوا واسطة لتبشير زكريا، والآية (39) من سورة آل عمران يمكن أن تكون شاهدا على ذلك: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى. لكن الظاهر هو أن المتكلم في كل هذه الأحوال هو الله سبحانه، ولا دليل - أو سبب - يدفعنا إلى تغييره عن ظاهره، وإذا كانت الملائكة وسائط لنقل البشارة، فلا مانع - أبدا - من أن ينسب الله أصل هذا الإعلان والبشارة إلى نفسه، خاصة وأننا نقرأ في الآية (40) من سورة آل عمران: قال كذلك الله يفعل ما يشاء. وقد سر زكريا وفرح كثيرا لدى سماعه هذه البشارة، وغمر نفسه نور الأمل، لكن لما كان هذا النداء بالنسبة إليه مصيريا ومهما جدا، فإنه طلب من ربه آية على هذا العمل: قال رب اجعل لي آية. لاشك أن زكريا كان مؤمنا بوعد الله، وكان مطمئنا لذلك، إلا أنه لزيادة الاطمئنان - كما أن إبراهيم الذي كان مؤمنا بالمعاد طلب مشاهدة صورة وكيفية المعاد في هذه الحياة ليطمئن قلبه - طلب من ربه مثل هذه العلامة والآية، فخاطبه الله: قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا واشغل لسانك بذكر الله ومناجاته. لكن، أية آية عجيبة هذه! آية تنسجم من جهة مع حال مناجاته ودعائه، ومن جهة أخرى فإنها تعزله عن جميع الخلائق وتقطعه إلى الله حتى يشكر الله على هذه النعمة الكبيرة، ويتوجه إلى مناجاة الله أكثر فأكثر. إن هذه آية واضحة على أن إنسانا يمتلك لسانا سليما، وقدرة على كل نوع من المناجاة مع الله، ومع ذلك لا تكون له القدرة على التحدث أمام الناس! بعد هذه البشارة والآية الواضحة، خرج زكريا من محراب عبادته إلى الناس، فكلمهم بالإشارة: فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا لأن النعمة الكبيرة التي من الله بها على زكريا قد أخذت بأطراف القوم، وكان لها تأثير على مصير ومستقبل كل هؤلاء، ولهذا فقد كان من المناسب أن يهب الجميع لشكر الله بتسبيحه ومدحه وثنائه. وإذا تجاوزنا ذلك، فإن بإمكان هذه الموهبة التي تعتبر إعجازا أن تحكم أسس الإيمان في قلوب الناس، وكانت هذه أيضا موهبة أخرى. دمتم في رعاية الله