وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إنّ مفهوم الحظ يمكن اعتباره من المفاهيم المتشكلة خارج الإطار الديني، لكن الخيال الشعبي أضفى عليه صفة دينية، أو على الأقل تمت مصالحته مع الدين أو اعتبر منسجماً مع التعاليم الدينية وغير منافٍ لها، ومفهوم الحظ هذا الذي يتعذّر به الكثيرون؛ لتبرير إخفاقاتهم في الحياة، سواء على المستوى الاجتماعي أم الاقتصادي أم السياسي ونحوه أو على مستوى الفرد أم الجماعة، ليس بالمفهوم الجديد، بل إنّ له امتداداً في تاريخ البشر على اختلاف أديانهم وقومياتهم وألسنتهم.
وإنّ الحديث عن الحظ كما لو كان قدراً يرسم مصير الإنسان ويحدد مساره بعيداً عن إرادة الله سبحانه وتعالى وتخطيطه، أمر مرفوض في المنطق الإسلامي، بل إنّ الاعتقاد بذلك يحمل شائبة الشرك بالله، فليس ثمّة شيء مؤثر في هذا الكون خارج إرادة الله، وعلى فرض تجاوز هذه الإشكالية من خلال ربط "الحظ" بالتدبير الإلهي والإرادة الإلهية ليصبح ـ أي: الحظ ـ مرادفاً لما قسمه الله للناس من حظوظ وقدّره من قضاء بعيداً عن الصدفة أو العشوائية؛ لأنّه ليس في منطق الإسلام شيء اسمه الصدفة أو العشوائية أو العبث في الخلق، بل كل شيء يجري وفق ميزان معلوم {والسماء رفعها ووضع الميزان} (الرحمن:آية7)، وكل شيء قد وضع في مكانه المناسب {إنا كل شيء خلقناه بقدر}(القمر:آية49)، إنّه بناءً على هذا التفسير لا يغدو مفهوم الحظ منكراً شرعاً، لكن يبقى أن يقال: لا داعي للتسمية ولنسمّ الأشياء بأسمائها فليعبر عنه بالتقدير أو التدبير أو التوفيق، ومع صرف النظر عن هذه الملاحظة الشكلية ـ ولا سيما أنّه قيل: لا مشاحة في الاصطلاح ـ والتسليم بمشروعية المفهوم وفقاً للتفسير المذكور، فإنّ ثمّة ملاحظة أخرى لا يمكن تجاوزها أو إغفالها وهي أن فكرة الاعتقاد "بالحظ السيّئ" تحديداً، لا بدّ من استبعادها؛ لأنّ ما يريده الله ويقدره لعباده هو خيرٌ محض، فهو لا يفعل إلّا ما فيه مصلحتهم وإن كانوا لا يدركون ذلك، نعم وصف "السيّئ" قد يكون مقبولاً نسبياً وأمّا على نحو الإطلاق فلا، لأنّه ليس هناك شيء ممّا خلقه الله سيّئ أو شرّ بالمطلق، بل إنّ الأمور التي نخالها شروراً قد يكون الخير كامناً في ثناياها من حيث لا ندري وكما قال الإمام علي(عليه السلام ) في دعاء كميل: "ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور".
دمتم في رعاية الله