حسين عادل جابر ( 17 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في قوله تعالى ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) فكيف يكون الالحاد في اسماءه


عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها). والمرد من "أسماء الله الحسنى" هي صفات الله المختلفة التي هي حُسنى جميعاً، فنحن نعرف أنّ الله عالم قادر رازق عادل جواد كريم رحيم، كما أنّ له صفات أُخرى حسنى من هذا القبيل أيضاً. فالمراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى، ليس هو ذكر هذه الألفاظ وجريانها على اللسان فحسب، كأن نقول مثلا: يا عالم يا قادر يا أرحم الراحمين. بل ينبغي أن نتمثّلَ هذه الصفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن يشع إشراق من علمه وشعاع من قدرته وجانب من رحمته الواسعة فينا وفي مجتمعنا. وبتعبير آخر: ينبغي أن نتّصف بصفاته ونتخلّق بأخلاقه، لنستطيع بهذا الشعاع، شعاع العلم والقدرة والرحمة والعدل أن نخرج أنفسنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه من سلك أهل النّار... ثمّ تحذر الآية من هذا الأمر، وهو أن لا تُحرّف أسماؤه فتقول: (وذروا الذين يُلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون). والإلحاد - في الأصل - مأخوذ من مادة "اللَّحْد" على زنة "المَهْد" التي تعني الحفرة التي تقع في طرف واحد، وعلى هذا الأساس فقد سمّيت الحفرة التي تكون في جانب القبر "لحداً". ثمّ أُطلق هذا الإِستعمال "الإِلحاد" على كل عمل ينحرف عن الحدّ الوسط نحو الإِفراط أو التفريط، ولذلك فقد سمّي الشرك وعبادة الأوثان إلحاداً أيضاً. والمقصود من الإِلحاد في أسماء الله هو أن نحرف ألفاظها أو مفاهيمها. بحيث نصفه بصفات لا تليق بساحته المقدسة، كما يصفه المسيحيون بالتثليث "الله والابن وروح القدس" أو أن نطبّق صفاته على المخلوقين كما فعل ذلك المشركون وعبدة الأوثان إذ اشتقوا لأصنامهم أسماءً من أسماء الله فسمّوها... اللات والعزّى ومناة. (وغيرها) فهذه الأسماء مشتقّة من الله والعزيز والمنان "على التوالي". أو أنّهم حرفوا صفاته حتى شبّهوه بالمخلوقات، أو عطلوا صفاته، وما إلى ذلك. أو أنّهم اكتفوا بذكر الإسم فحسب دون أن يتمثلوه ويعرفوا آثاره في أنفسهم وفي مجتمعاتهم. * ما هي الأسماء الحسنى؟ في كتب الأحاديث "لأهل السنة والشيعة" أبحاث كثيرة عن أسماء الله الحسنى، نورد خلاصتها في هذا المجال مضافاً إليها ما نعتقده نحن في هذا الصدد. لا شك أنّ الأسماء الحسنى تعني الأسماء الكريمة، ونحن نعرف أن أسماء الله كلّها تحمل مفاهيم حُسنى، ولذلك فجميع أسمائه أسماءُ حسنى، سواءً كانت صفات لذاته المقدّسة الثبوتية كالعلم والقادر، أم كانت صفات سلبية كالقُدّوس مثلا، أو صفات تحكي فعلا من أفعاله كالخالق أو الغفور أو الرحمان أو الرحيم الخ... ومن ناحية أُخرى، لا شك أنّ صفات الله لا يمكن إحصاؤها، لأنّ كمالاته غير متناهية، ويمكن أن يذكر لكل صفة من صفاته أو كمال من كمالاته اسم... إلاّ أن ما نستفيده من الأحاديث أنّ لبعض صفاته أهمية أكثر من سواها، ولعل "الأسماء الحسنى" الواردة من الآية في الآية محل البحث إشارة إلى هذه الطائفة من الأسماء المتميّزة، إذ ورد عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) من أهل بيته روايات كثيرة بهذا المعنى كالرواية الواردة في كتاب التوحيد "للصّدوق" عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : "إنّ لله تبارك وتعالى تسعةً وتسعين إسماً - مئة إلاّ واحدة - من أحصاها دخل الجنّة " كما ورد في كتاب التوحيد عن الإِمام علي بن موسى الرّضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ لله عزوجل تسعة وتسعين إسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنّة" وقد جاء في كتب أحاديث (أهل السنَّة) "كما في كتاب صحيح البخاري وصحيح مسلم... والترمذي وكتب أُخرى" هذا المضمون ذاته: إنّ لله تسعة وتسعين إسماً فمن دعاء بها استجاب دعاءَه، ومن أحصاها فهو من أهل الجنّة ويستفاد من بعض الأحاديث أن هذه الأسماء التسعة والتسعين كلها في القرآن، كالرّواية الواردة عن ابن عباس أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لله تسعة وتسعون إسماً من أحصاها دخل الجنّة، وهي في القرآن" ولذلك فقد سعى جماعة من العلماء إلى أن يستخرجوا أسماء الله الحسنى من القرآن، إلاّ أن ما جاء في القرآن من أسماء وصفات لله سبحانه تزيد على تسعة وتسعين إسماً، فبناءً على ذلك لعل الأسماء الحسنى من بين تلك الأسماء، لا أنّه لا يوجد في القرآن غير تسعة وتسعين اسماً لله المشار إليها آنفاً (في بعض الأحاديث)... وقد صّرحت بعض هذه الرّوايات بالأسماء الحسنى "التسعة والتسعين"... ونحن نوردها هنا، إلاّ أنّه ينبغي الإِلتفات إلى أن بعض هذه الأسماء الواردة في هذه الرواية لم ترد في القرآن بالصيغة الواردة في الرواية ذاتها وإنّما ورد مضمونها أو مفهومها في القرآن. فقد جاء في الرّواية المنقولة في كتاب "التوحيد" للصّدوق عن الإمام الصادق عن آبائه عن علي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعد أن أشار (عليه السلام) إلى أنّ لله تسعة وتسعين إسماً قال وهي: "الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القادر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، الباري، الأكرم، الباطن، الحي، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد، الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذاريء، الرازق، الرقيب، الرؤوف، الرائي، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبّوح، الشهيد، الصادق، الصانع، الظاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب، القيّوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط، المبين، المغيث، المصوّر، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور، الوهّاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث، البرّ، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي" لكن الأهم - هنا - وينبغي ملاحظته والإِلتفات إليه، هو أنّ المراد من دعاء الله بأسمائه الحسنى هل يعني أن نعدّ هذه الأسماء أو أن نجريها على الألسنة فحسب، بحيث أن من ذكر هذه التسعة والتسعين إسماً دون أن يتمثل محتواها ويفهمها كان من السعداء، أو أنّه ستجاب دعوته. بل الهدف هو أن يؤمن الإِنسان بهذه الأسماء والصفات، ثمّ يسعى - ما استطاع إلى ذلك سبيلا - لأنّ يعكس في وجوده إشراقاً من مفاهيم تلك الأسماء، أي للعالم، القادر، الرحمان، الرحيم، الغفور، القوي، الغني، الرازق، وأمثالها. فإنّ كان كذلك كان من أهل الجنّة، وكان دعاؤه مستجاباً ونال كل خير قطعاً. ويستفاد ضمناً ممّا ذكرناه آنفاً أنّه لو وردت في بعض الرّوايات الأُخرى والأدعية أسماء غير هذه الأسماء لله سبحانه، حتى لو وصلت إلى الألف - مثلا - فلا منافاة بينها وبين ما نقلناه هنا أبداً، لأنّ أسماء الله لا حد لها ولا حصر، وهي - كذاته وكمالاته - لا نهاية لها. وإن كان لبعض هذه الأسماء أو الصفات ميزات خاصّة. من ذلك الرواية الواردة في أُصول الكافي عن الإِمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية، إذ يقول: "نحن والله الأسماء الحسنى" فهي إشار إلى أن إشعاعاً من صفاته قد انعكس فينا، فمن عرفنا فقد عرف ذاته المقدسة... أو أنّه لو ورد مثلا في بعض الأحايث أنّ جميع الأسماء الحسنى تتلخص في التوحيد الخالص، فإنّما هو لأن جميع صفاته ترجع إلى ذاته المقدسة. ويشير الفخر الرازي في تفسيره إلى أمر قابل للملاحظة، وهو أنّ جميع صفات الله تعالى يعود إلى إحدى حقيقتين "إستغناء ذاته عن كل شيء" أو "احتياج الآخرين إلى ذاته المقدسة..." التفسير الامثل