( 21 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

شكل الله تعالى

السلام عليكم ماتفسير الاية المباركة وهل يذكر الله فيها شكله اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١١ - الصفحة ١٠١-١٠٩: تحدث الفلاسفة والمفسرون والعرفاء الاسلاميون كثيرا عن مقاصد الآيات أعلاه، وهي مرتبطة بما سبقها من الآيات الشريفة التي عرضت لقضية العفة ومكافحة الفحشاء بمختلف السبل. وبما أن ضمانة تنفيذ الأحكام الإلهية، وخاصة السيطرة على الغرائز الثائرة، ولا سيما الغريزة الجنسية التي هي أقوى الغرائز، لا تتم دون الاستناد إلى الإيمان، ومن هنا امتد البحث إلى الإيمان وأثره القوي، فقالت الآية أولا: الله نور السماوات والأرض. ما أحلى هذه الجملة! وما أثمنها من كلمات! أجل إن الله نور السماوات والأرض ... المزید النور الذي يغمر كل شئ ويضيئه. ويرى بعض المفسرين أن كلمة " النور " تعني هنا " الهادي "، وذهب البعض الآخر أن المراد هو " المنير ". وفسرها آخرون ب‍ " زينة السماوات والأرض ". وكل هذه المعاني صحيحة، سوى أن مفهوم هذه الآية أوسع بكثير مما ذكر، فالقرآن المجيد والأحاديث الإسلامية فسرت النور بأشياء عدة منها: 1 - " القرآن المجيد ": - ذكرت الآية (15) من سورة المائدة: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين وجاء في الآية (157) من سورة الأعراف واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. 2 - " الإيمان " ذكرت الآية (257) من سورة البقرة. والله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. 3 - " الهداية الإلهية " مثلما جاء في الآية (122) من سورة الأنعام أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟! 4 - " الدين الإسلامي " كما نقرأ في الآية (32) من سورة التوبة: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. 5 - النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) - نقرأ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآية (46) من سورة الأحزاب: وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا. 6 - الأئمة الأطهار: كما جاء في الزيارة الجامعة لهم: " خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين ". وكذلك في نفس هذه الزيارة " وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار ". 7 - " العلم والمعرفة " حيث عرف بالنور كما جاء في الحديث المشهور " العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ". كل هذه من جهة، ومن الجهة الأخرى علينا التدقيق في خصائص النور وميزانه، ليتضح أنه يمتاز بما يلي: 1 - النور أجمل وألطف ما في العالم، وهو مصدر لكل جمال ولطف! 2 - النور أسرع الأشياء، كما ثبت لمشهوري العلماء الكبار في العالم، إذ تبلغ سرعته ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية. وبإمكانه الدوران حول الكرة الأرضية سبع مرات في طرفة عين (أقل من ثانية واحدة). ولهذا السبب تقاس المسافات الهائلة بين النجوم فقط بسرعة الضوء، والوحدة المستعملة في هذا المجال هي السنة الضوئية، أي: المسافة التي يقطعها الضوء وهو بتلك السرعة الهائلة - في سنة واحدة. 3 - بالنور يمكن مشاهدة الأشياء في العالم، ومن دونه يستحيل رؤية أي شئ، فالنور ظاهر بنفسه ومظهر لغيره. 4 - إن ضوء الشمس يعد من أهم أنواع النور في عالمنا، فهو ينمي الأزهار والنباتات وبه تستمر الحياة، بل هو رمز بقاء المخلوقات الحية، ولا يمكن لموجود حي أن يستمر في الحياة دون أن يستفيد من نور الشمس بصورة مباشرة أو غير مباشرة. 5 - ثبت اليوم أن جميع الألوان يمكن مشاهدتها بنور الشمس أو الأنوار الأخرى، ولولاها لعاشت المخلوقات في عتمة قاتمة. 6 - إن جميع أنواع الطاقة الموجودة في محيطنا (باستثناء الطاقة النووية) مصدرها الشمس من قبيل حركة الرياح، سقوط المطر، وحركة الأنهر والوسائط فيها والشلالات ولو دققنا في حركة جميع المخلوقات الحية لوجدناها ترتبط بنور الشمس. مصدر الحرارة وتدفئة الأحياء كلها هو الشمس، حتى أن حرارة النار المتولدة من الخشب أو الفحم أو الفحم الحجري أو النفط ومشتقاته مصدرها حرارة الشمس. لأن هذه الأشياء بحسب الدراسات العلمية تعود إلى النباتات أو الحيوانات، وهذه بدورها قد استفادت من نور الشمس وحرارتها، فخزنت الفائض منها في جسمها، لهذا فإن حركة المحركات والمكائن أيضا من بركات الشمس. 7 - نور الشمس قاتل الميكروبات والمخلوقات المضرة، وبفقدان هذا النور تتبدل الأرض إلى مستشفى كبير قد ابتلي سكانها بأنواع الأمراض ويصارعون الموت بين لحظة وأخرى! وكلما دققنا في عالم النور الذي يشكل ظاهرة فريدة، يتضح لنا أثره البالغ الأهمية وبركاته العظيمة. وبملاحظة هاتين المقدمتين إذا أردنا تشبيه الذات المقدسة لرب العالمين (رغم منزلته العظيمة التي لا نظير لها ولا شبيه) فلا نجد خيرا من النور؟! الله الذي خلق كل شئ في عالم الوجود ونوره، فأحيا المخلوقات الحية ببركته، ورزقها من فضل، ولو انقطعت رحمته عنها لحظة، لأصبح الجميع في ظلمات الفناء والعدم. ومما يلفت النظر أن كل مخلوق يرتبط بالله بمقدار معين يكتسب من النور بنفس ذلك المقدار: القرآن نور لأنه كلام الله. والدين الإسلامي نور لأنه دينه. الأنبياء أنوار لأنهم رسله. والأئمة المعصومون (عليهم السلام) أنوار إلهية، لأنهم حفظة دينه بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). والإيمان نور، لأنه رمز الالتحام به سبحانه وتعالى. والعلم نور، لأنه السبيل إلى معرفته - عز وجل -. ولهذا: الله نور السماوات والأرض. وإذا استعملنا كلمة " النور " بمعناها الواسع، أي الظاهر في ذاته والمظهر لغيره في هذه الحالة يصبح استعمال كلمة النور الذات الله المقدسة حقيقة ولا تشبيه فيها، لأنه لا يوجد أظهر من الله تعالى في العالم، وكل الأشياء تظهر من بركات وجوده. وجاء في كتاب التوحيد، عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حين سئل عن معنى قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض قال " هاد لأهل السماوات، وهاد لأهل الأرض ". وهذه في الواقع واحدة من خصائص النور الإلهي، ولا يمكن حصره بهذه الخصيصة، ولهذا يمكن جمع كل ما قيل في تفسير هذه الآية، وكل تفسير هو إشارة إلى أحد أبعاد هذا النور الذي لا مثيل له. والجدير بالذكر ما جاء في الفقرة السابعة والأربعين من دعاء الجوشن الكبير الذي يحتوي على صفات الله تعالى: " يا نور النور، يا منور النور، يا خالق النور، يا مدبر النور، يا مقدر النور، يا نور كل نور، يا نورا قبل كل نور، يا نورا بعد كل نور، يا نورا فوق كل نور، يا نورا ليس كمثله نور " وبهذا تأخذ أنوار الوجود نورها من نوره وتنتهي بنوره الطاهر. وقد أوضح القرآن بعد بيانه الحقائق السالفة ذلك، إذ ذكر مثالا رائعا دقيقا لكيفية النور الإلهي: مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم. ولشرح هذا المثال يجب الإلمام بعدة أمور: " المشكاة " في الأصل تعني الكوة التي تخصص في الجدار لوضع المصابيح الزيتية فيها لحفظها من الرياح، وأحيانا تبنى في الجدار فتحة صغيرة، يغطى جانبها المشرف على ساحة الدار بالزجاج، لإضاءة داخل وخارج الغرفة كما تحفظ المصباح من الرياح. كما تطلق هذه الكلمة على وعاء (الفانوس القديم) يصنع من زجاج على شكل متوازي المستطيلات له باب وفتحة في أعلاه لخروج الهواء الساخن. وكانوا يضعون المصباح فيه. وباختصار نقول: إن المشكاة محفظة للمصباح من الرياح الشديدة، وغالبا ما يثبت في الجدار لتركيز الضوء وسهولة انعكاسه. " الزجاجة " تطلق في الأساس على الأحجار الشفافة، وسميت الصفائح الشفافة بالزجاج لأنها تصنع من مواد معدنية، والزجاجة هنا تعني الزجاجة التي توضع فوق المصباح لتحفظ شعلته، وتنظم جريان الهواء، لتزيد من نور الشعلة. " المصباح " يتألف من وعاء للزيت وفتيل. عبارة يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية تشير إلى الطاقة التي تجهز هذا المصباح بوقود لا ينضب معينه. وزيت الزيتون من أجود الوقود المستعمل للمصابيح، ثم أن هذا الزيت يحصل عليه من زيتون شجر يتعرض للشمس من جميع جوانبه بشكل متساو، لا أن تكون الشجرة في الجانب الشرقي من البستان وبجانب حائط يمنع وصول أشعة الشمس إليها، كما لا تكون في جهة الغرب ليتعرض جانب واحد منها على أشعة الشمس، فلا تنضج ثمرتها بصورة جيدة ولا يكون زيتها نقيا وصافيا. وبعد هذا الإيضاح يتبين أننا للاستفادة من نور المصباح بإشعاع قوي نحتاج إلى توفر أربعة أشياء. " محفظة للمصباح " لا تقلل من نوره، بل تركز هذا النور وتعكسه و " زجاجة " تنظم جريان الهواء حول الشعلة، ويجب أن تكون شفافة بدرجة لا تمنع تشعشع النور، و " مصباح " هو مصدر النور، وهو عبارة عن إناء فيه زيت وفي أعلاه الفتيل. وأخيرا " مادة الاحتراق " صافية خالصة شفافة مستعدة للاشتعال بدرجة يتصور فيها الإنسان إنها سوف تشعل لوحدها دون أن يمسها قبس من النار. كل هذه العبارات تكشف في الحقيقة عن ظاهر القضية. ومن جهة أخرى أورد كبار المفسرين تفاسير عديدة بشأن هذا التشبيه وأنه ما هو " المشبه " ومن أي نور إلهي يكون: قال البعض: المقصود هنا نور الهداية التي يجعله الله في قلوب المؤمنين، وبعبارة أخرى: المقصود الإيمان الذي استقر في قلوب المؤمنين. وقال آخرون: إن المشبه يعني هنا القرآن الذي ينير قلوب الناس. وآخرون: إنه إشارة إلى شخص النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). وآخرون: إنه إشارة إلى أدلة التوحيد والعدل الإلهي. وآخرون: إنه روح الطاعة والتقوى التي هي أساس كل خير وسعادة. وفي الحقيقة فإن هذه التفاسير قد أوردت كل ما جاء في القرآن والأحاديث الإسلامية بعنوان مصاديق للنور، وجوهرها واحد، وهو نور الهداية بذاته، ومصدره القرآن والوحي ووجود الأنبياء، وينهل من أدلة التوحيد، ونتيجته التسليم بحكم الله والتمسك بالتقوى. وتوضيح ذلك: إن نور الإيمان الموجود في قلوب المؤمنين يحتوي على العناصر الأربعة المتوفرة في المصباح المضئ، هي: " المصباح " وهو شعلة الإيمان في قلب المؤمن يضئ طريق الهداية. و " الزجاجة " هي قلب المؤمن ينظم الإيمان في ذاته ويحفظه من كل سوء. و " المشكاة " صدر المؤمن، أو بعبارة أخرى: شخصيته بما فيها وعيه وعلمه وفكره الذي يصون إيمانه من الأعاصير والأخطار. " شجرة مباركة زيتونة " هي الوحي الإلهي الذي يكون بمنتهى الصفاء والطهارة وتوقد شعلة إيمان المؤمنين - في الحقيقة - من نور الله الذي ينير السماوات والأرض وقد أشرق من قلوب المؤمنين، فأضاء وجودهم ونور وجوههم. فتراهم يمزجون الأدلة العقلائية بنور الوحي، فيكون مصداق " نور على نور ". ولهذا ترى القلوب المستعدة لاستقبال النور الإلهي تهتدي، وهي المقصودة بعبارة يهدي الله لنوره من يشاء وعلى هذا فإن المحافظة على النور الإلهي (نور الهداية والإيمان) يستوجب توفر مجموعة من المعارف والعلوم والوعي والأخلاق وبناء الذات، من أجل أن تكون كالمشكاة تحفظ هذا المصباح. كما تحتاج إلى قلب مستعد لينظم هذا النور الإلهي كما تنظم الزجاجة شعلة المصباح. وتحتاج إلى مدد من الوحي، ليمنحها طاقة مثلما تمنحها الشجرة التي سماها القرآن بعبارة شجرة مباركة زيتونة. وتجب المحافظة على نور الوحي من التلوث والميول المادية والانحراف إلى الشرق أو الغرب الذي يؤدي إلى التفسخ والاندثار. ولتعبئ قوى الإنسان بشكل سليم بعيدا عن كل فكر مستورد وانحراف، لتكون مصداقا ل‍ يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار. وكل تفسير يتضمن حكما مسبقا ويتضمن ذوق المفسر وعقيدته الخاصة به، أو رغبة يسارية أو يمنية، أو خرافة يؤدي إلى تلويث سمعة هذه الشجرة المباركة، ويقلل من تشعشع مصباحها. وأحيانا يطفئه. هذا هو المثال الذي ذكره الله لنوره في هذه الآية، وهو الذي أحاط بكل شئ علما.

2