Ali 1902 ( 25 سنة ) - العراق
منذ سنتين

الدنيا المذمومة

السلام عليكم .. ما معنى الدنيا المذمومة في روايات اهل البيت عليهم السلام ؟ ارغب بالحصول على زوجة و سيارة و بيت في المستقبل ،، هل يعتبر سعيي نحو هذه الامور تكالباً على الدنيا ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا الكلام عن الدنيا في الايات و الروايات نختصره في اربع نقاط: وردت آيات كريمة واحاديث شريفه في الدنيا المذمومة و الدنيا الممدوحة قال الله تعالى" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب". آل عمران " نرى في الروايات سبب التسمية بـ الدنيا: فقد ورد عن أمير المؤمنين "عليه السلام ": إنما سُميت الدنيا دنيا لأنها أدنى من كل شيء. فانها عندما توصف الدنيا بمدح أو ذم فليس المقصود مدح الدنيا بذاتها ولا ذمها كذلك، بل إن علاقة الإنسان بالدنيا هي التي تُضفي صفة المدح أو الذم عليها، فتارةً يتخذ الإنسان الدنيا وسيلةً لآخرته، فتكون دنياه ممدوحة بنظر الإسلام، وتارةً يتخذ الدنيا غايةً ومنتهىً لآماله، قاصراً نظره عليها دون الآخرة، فتكون دنياه مذمومةً بنظر الإسلام. إذن دنيا الوسيلة ممدوحة ودنيا الغاية مذمومة. ١-( الدنيا الممدوحة :دنيا الوسيلة) أكدت النصوص الشريفة أن الله تعالى خلق الدنيا لأجل الإنسان، وخلق الإنسان لأجل الآخرة، فقد ورد عن النبي الأعظم "صلى الله عليه واله ": "فإن الدنيا خُلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة". وأراد تعالى أن تكون نظرة الإنسان للدنيا على هذا الأساس، أي أن يتعامل على أنها وسيلة لآخرته. وهذه الدنيا هي المقصودة من كلام الإمام الباقر "ع" حين فسر قوله تعالى "ولنعم دار المتقين" بـ (الدنيا). ودنيا الوسيلة هذه هي المرادة من قول الإمام الباقر "عليه السلام": "نعم العون الدنيا على الآخرة" ومن قول علي "عليه السلام": "بالدنيا تحرز الآخرة"، وهي المرادة من قول علي "عليه السلام": "الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، دار غنىً لمن تزودّ منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، وهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله. إكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة". ٢- ( الدنيا المذمومة :دنيا الغاية) وهي التي يتخذها الإنسان غاية من دون الآخرة، فهذه هي الدنيا المذمومة بنظر الإسلام وهي المرادة من أقوال علي "عليه السلام": "الدنيا مزرعة الشر"، "الدنيا معدن الشر ومحل الغرور"، "الدنيا سوق الخسران"، "الدنيا مصرع العقول". إذن: ليست الدنيا قبيحة بذاتها وليست جميلة بذاتها بل الإنسان هو الذي يُضفي صفة الجمال والقبح عليها. لا تذم الدنيا: لذا فالإنسان العاقل لا يذم الدنيا عندما يغتر بها، فقد ورد عن النبي الأعظم "ص": "من قال قبح الله الدنيا، قالت الدنيا قبح الله أعصانا للرب" وقد ورد أن أحدهم كان يذم الدنيا وهو يحسبها متجرمة عليه فسمعه أمير المؤمنين "ع" فأجابه: "أيها الذام لدنيا المغتر بغرورها، المخدوع بأباطيلها ثم تذمها؟ أنت المتجرّم عليها أم هي المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرتك". ٣-وايضا يمكن الجمع بين الدنيا والآخرة قال الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا" (سورة القصص 77). يتساءل كثير من الناس: هل يمكن للإنسان أن يجمع بين الدنيا والآخرة أم لا؟ جواب خاطئ: قد يجيب البعض: أن هذا مستحيل. والدليل على ذلك عدة نصوص وردت عن المعصومين "عليهم السلام"، من قبيل ما ورد عن الإمام علي "عليه السلام": "إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان"، وما ورد عن السيد المسيح "عليه السلام": "مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان، إن أرضَ إحداهما أُسخطت الأخرى" وقد صرح أمير المؤمنين "عليه السلام" أن"طلب الجمع بين الدنيا والآخرة من خداع النفس". الجواب الصحيح: إن المشكلة في الجواب السابق هو أنه لم يقم على أساس نظرة شمولية للنصوص الإسلامية الواردة في هذا الإطار، فإننا نفهم من مجموع الأحاديث الشريفة أن مقصود الإمام علي "عليه السلام" والسيد المسيح "عليه السلام" من الدنيا التي تمثل ضرة للآخرة وضداً لها هي دنيا الغاية التي تحدثنا عنها في الخطبة السابقة وهي الدنيا التي يتخذها الإنسان غايةً ومنتهى لعمله من دون الآخرة، فالجمع بين دنيا الغاية وآخرة الغاية من خداع النفس. أما دنيا الوسيلة أي التي يتخذها الإنسان وسيلة ومزرعة لآخرته فالإسلام لا يطرحها كضرة للآخرة وضدٍ لها بل يطلب من الإنسان أن يجمع بينها وبين الآخرة. يقول تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا". وقد اشتهر نداء الإسلام المتجسد بقول علي "عليه السلام" "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". ويتحدث علي "عليه السلام": "عن مقام الذي يجمع بين دنيا الوسيلة وآخرة الغاية فيقول: "الناس في الدنيا عاملان، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته يخشى على من يخلفه الفقر، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره، وعامل عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معاً، وملك الدارين جميعاً فأصبح وجيهاً عند الله لا يسأل حاجةً فيمنعه". إذن الإسلام لا يطرح أن يترك الإنسان دنياه لينصرف لآخرته فقط، كيف؟ والله تعالى يقول: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" (الأعراف 33). ويقول الإمام الكاظم "عليه السلام": "ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه". النتيجة: أن الجواب عن التساؤل السابق: هل يمكن الجمع بين الدنيا والآخرة ؟هو: نعم وكلا. نعم يمكن الجمع بين دنيا الوسيلة وآخرة الغاية. وكلا لا يمكن الجمع بين دنيا الغاية وآخرة الغاية. لكن: التمييز بين دنيا الغاية ودنيا الوسيلة يحتاج إلى دقة متناهية، لهذا فعلى الإنسان حتى يحرز آخرته أن ينظر إلى الدنيا نظرة حذر، فقد قال أمير المؤمنين "عليه السلام": "إجعل الدنيا شوكاً وانظر أين تضع قدمك منها، فإن من ركن إليها خذلته، ومن آنس فيها أوحشته، ومن يرغب فيها أوهنته". ٤-حب الدنيا قد يتساءل كثير من الناس: ما هو موقف الإسلام من حب الدنيا؟ بعضهم يجيب: أن حب الدنيا مذموم في نظرة الإسلام مطلقاًَ وقد دل على ذلك نصوص عديدة من قبيل ما ورد عن الإمام الصادق "عليه السلام": "رأس كل خطيئة حب الدنيا" وما ورد عن النبي الأكرم "صلى الله عليه واله ": "أكبر الكبائر حب الدنيا". الإجابة الدقيقة: لكي نعرف هذا الجواب صحيح أم لا، لا بد من تحديد معنى حب الدنيا. المعنى الأول: فإن كان حب الدنيا بمعنى الميول الموجودة في داخل الإنسان فهي بحد ذاتها ليست قبيحة ومذمومة بل هي ميول طبيعية عند الإنسان لا تحمل بنفسها أي معنى سلبي، وهذا المعنى من حب الدنيا هو المراد من قول أمير المؤمنين "عليه السلام": "الناس أبناء الدنيا، ولا يلام الرجل على حب أمه" وقوله "عليه السلام": "الناس أبناء الدنيا، والولد مطبوع على حب أمه". وهذا الحب قد يستخدم كوسيلة الآخرة فلا يكون حباً للدنيا المذمومة بل يكون في الواقع حباً للآخرة وهذا ما نفهمه من خلال الحوار الذي دار بين الإمام الصادق "عليه السلام" وأحد أصحابه حيث قال: إنا لنحب الدنيا! فقال الصادق "عليه السلام": تصنع بها ماذا؟ فأجاب: أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل أخواني وأتصدق، فقال الصادق "عليه السلام" ليس هذا من الدنيا هذا من الآخرة. وكيف يكون هذا الحب للدنيا المذمومة وقد ورد عن رسول الله "صلى الله عليه واله " أنه قال: "أحب من دنياكم ثلاث الطيب، والنساء، وقرة عيني الصلاة". المعنى الثاني: وهو حب الدنيا الذي يمتلك قلب الإنسان فيُنسبه آخرته ويقصر غايته على دنياه فهذا الحب للدنيا هو رأس كل خطيئة وهو أكبر الكبائر. مُحب الدنيا لا يَقبلُ الله عمله: وهذا الحب للدنيا قد يمنع من قبول الأعمال عند الله تعالى كما يُفهم من الحديث القدسي: "لو صلى العبد صلاة أهل السماء والأرض، ويصوم صوم أهل السماء والأرض، ويطوى من الطعام مثل الملائكة، ولبس لباس العاري ثم أرى في قلبه من حب الدنيا ذرة أو سعتها أو رئاستها أو حليتها أو زينتها لا يجاورني في داري، ولأنزعنّ من قلبه محبتي". مُحب الدنيا لا يغفر الله له: وقد يكون حب الدنيا (بالمعنى الثاني) سبباً لعدم غفران الله تعالى، فقد روي أن موسى "عليه السلام" مر برجل وهو يبكي، ثم رجع وهو يبكي فقال: إلهي عبدك يبكي من مخافتك (فأوحى الله تعالى له) "يا موسى لو بكى حتى نزل دماغه مع دموع عينيه، لم أغفر له وهو يحب الدنيا". لماذا يمنع حب الدنيا من: قبول الأعمال، وغفران الذنوب: لقد كان لمحبي الدنيا (بالمعنى الثاني) هذا المصير الأسود لأن حبهم هذا يطغى على طاعة الله، فهم قد يطيعون الله في الأوضاع العادية، لكن عندما يلوح لهم شيء من الدنيا فإنهم لا يمتلكون إلا أن يثبوا عليه تاركين أوامر الله وراء ظهورهم. وقد تحدث النبي الأكرم (صلى الله عليه واله ) عن هذا الموضوع عندما قال لأصحابه: "ليجيئنّ أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال تهامة، فيؤمر بهم إلى النار، فقيل يا نبي الله، أمصلون؟ قال (صلى الله عليه واله ) كانوا يصلون، ويصومون، ويأخذون وهناً من الليل لكنهم كانوا إذا لا ح لهم شيء من الدنيا وثبوا إليه! وأخيراً نذكر: نصيحة الإمام علي "عليه السلام": حيث يقول: "أنظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق، ولا تنظر إليها نظر العاشق الوامق". دمتم في رعاية الله

4