logo-img
السیاسات و الشروط
♥️❤️(محسن علي)♥️❤️ ( 23 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

شجاعة العباس بن علي

السلام عليكم وهل صحيح ان العباس عليه السلام قتل 5 الاف اريد اعرف فدوه بلتفصيل ارجوكم وشكرا


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ربما يستعصي البيان عن الإفاضة في القول في هذا الفصل لشدة وضوحه، وربما أعقب الظهور خفاء، فإن من أبرز الصفات الحميدة في الهاشميين الشجاعة وقد جبلوا عليها، وبالأخص الطالبيين، وقد أوقفنا على هذه الظاهرة الحديث النبوي: " لو ولد الناس أبو طالب كلهم لكانوا شجعانا ". إذا فما ظنك بطالبي أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) قاتل عمر بن عبد ود، ومزهق مرحب، وقالع باب خيبر، وقد أودع في ولده البسالة كلها والشهامة بأسرها، وعلمه قراع الكتائب، فنشأ بين حروب طاحنة، وغارات شعواء، وخؤولته العامريون الذين شهد لهم عقيل بالفروسية، وللخؤولة كالعمومة عرق ضارب في الولد، ومن هنا قالت العرب: (فلان معم مخول) إذا كان كريمهم وحوى المزايا الحميدة عنهما، ولم يعقد أمير المؤمنين (عليه السلام) على أم البنين إلا لتلد له هذا الفارس المغوار والبطل المجرب، فما أخطأت إرادته الغرض، ولا حاد سهمه المرمى. فكان أبو الفضل رمز البطولة، ومثال الصولات، يلوح البأس على أسارير جبهته، فإذا يمم كميا قصده الموت معه، أو التقى بمقبل ولاه دبره، ولم يبرح هكذا تشكوه الحرب والضرب، وتشكوه الهامات، والأعناق ما خاض ملحمة إلا وكان ليلها المعتكر، ولم يلفِ في معركة إلا وقابل ببشره وجهها المكفهر. يمثل الكرار في كرّاته ... المزید بل في المعاني الغر من صفاته ليس يد الله سوى أبيه ... وقدرة الله تجلت فيه فهو يد الله وهذا ساعده... تغنيك عن إثباته مشاهده صولته عند النزال صولته... لولا الغلو قلت: جلت قدرته وهل في وسع الشاعر أن ينضد خياله، أو يتسنى للكاتب أن يسترسل في وصف تلك البسالة الحيدرية، وجوهر الحقيقة؟ قائم بنفسه، ماثل أمام الباحث، بأجلى من كل هاتيك المعرفات في مشهد يوم الطف. إن حديث كربلاء لم يبق لسابق في الشجاعة سبقا ولا للاحق طريقا إلا الالتحاق به، فلقد استملينا أخبار الشجعان في الحروب والمغازي يوم شأوا الأقران في الفروسية، فلم يعدهم في الغالب الاستظهار بالعدد، وتوفر العتاد وتهيّؤ ممدات الحياة من المطعم والمشرب، وفي الغالب أن الكفاية بين الجيشين المتقابلين موجودة. هذا وللسبط المقدس طرف شاخص إلى صنوه البطل المقدام كيف يرسب ويطفو بين بهم الرجال، ووجهه متهلل لكرّاته، ولحرائر بيت النبوة أمل موطد لحامية الظعائن. وإليك مثالا من بسالته الموصوفة في ذلك المشهد الدامي، وهي لا تدعك إلا مذعنا بما له من ثبات ممنع عند الهزاهز، وطمأنينة لدى الأهوال. الأول:في اليوم السابع من المحرم حوصر سيد الشهداء ومن معه، وسد عنهم باب الورود، ونفذ ما عندهم من الماء، فعاد كل منهم يعالج لهب الأوام(، وبطبع الحال كانوا بين أنة وحنة، وتضور، ونشيج، ومتطلب للماء إلى متحر ما يبل غلته، وكل ذلك بعين " أبي علي "، والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج، لكن " ساقي العطاشى " لم يتطامن على تحمل تلك الحالة. أوتشتكي العطش الفواطم عنده... وبصدر صعدته الفرات المفعم ولو استقى نهر المحمرة لارتقى... وطويل ذابله إليها سلم لو سد ذو القرنين دون وروده ...نسفته همته بما هو أعظم في كفه اليسرى السقاء يقله ...وبكفه اليمنى الحسام المخذم مثل السحابة للفواطم صوبه... فيصيب حاصبه العدو فيرجم هناك أوكل الحسين لهذه المهمة أخاه العباس، في حين أن نفسه الكريمة تنازعه إلى ذلك قبل الطلب، ويحدوه إليه حفاظه المر، فأمره أن يستقي للحرائر والصبية، وإن كان دونه شق المرائر، وسفك المهج، وضم إليه ثلاثين فارسا وعشرين راجلا، وبعث معهم عشرين قربة، وتقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فمضوا غير مبالين وكل بحفظ الشريعة ; لأنهم محتفون بسيدٍ من سادات آل محمد، فتقدم نافع باللواء وصاح به عمرو بن الحجاج: من الرجل؟ وما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. فقال له: أشرب هنيئا. قال نافع: لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين ومن ترى من آله وصحبه عطاشا. فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، وإنما وضعنا هاهنا لنمنعهم الماء، ثم صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم، وشد عليهم أصحاب ابن الحجاج، فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل، وحاميهم " ابن بجدتها " مسدد الكماة، المتربي في حجر البسالة الحيدرية، والمرتضع من لبانها " أبو الفضل "، فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدثه نفسه بالدنو منهم، فرقا من ذلك البطل المغوار، فبلت غلة الحرائر والصبية الطيبة من ذلك الماء، وابتهجت به النفوس. ولكن لا يفوت القارئ، معرفة أن تلك الكمية القليلة من الماء ما عسى أن تجدي أولئك الجمع الذي هو أكثر من مائة وخمسين رجالا ونساء وأطفالا، أو أنهم ينيفون على المائتين على بعض الروايات، ومن المقطوع به أنه لم ترو أكبادهم إلا مرة واحدة، أو أنها كمصة الوشل، فسرعان ما عاد إليهم الظما، وإلى الله سبحانه المشتكى. الثاني: كان أصحاب الحسين (عليه السلام) بعد الحملة الأولى التي استشهد فيها خمسون، يخرج الاثنان والثلاثة والأربعة، وكل يحمي الآخر من كيد عدوه، فخرج الجابريان وقاتلا حتى قتلا، وخرج الغفاريان فقاتلا معا حتى قتلا، وقاتل الحر الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره حتى فعلا ذلك ساعة، فكان إذا شد أحدهما واستلحم شد الآخر واستنقذه حتى قتل الحر. وفي تاريخ الطبري ج6 ص255: " إن عمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، وجابر بن الحارث السلماني، ومجمع بن عبد الله العائذي شدوا جميعا على أهل الكوفة، فلما أوغلوا فيهم عطف عليهم الناس من كل جانب، وقطعوهم عن أصحابهم، فندب إليهم الحسين أخاه العباس، فاستنقذهم بسيفه، وقد جرحوا بأجمعهم، وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو، فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد، وفازوا بالسعادة الخالدة. يسترسل بعض الكتاب عن موقفه قبل الطف فيثبت له منازلة الأقران والضرب والطعن، وبالغوا في ذلك حتى حكي عن المنتخب أنه يقول: كان كالجبل العظيم، وقلبه كالطود الجسيم ; لأنه كان فارسا هماما وجسورا على الضرب والطعن في ميدان الكفار. ويحدث صاحب الكبريت الأحمر ج3 ص24 عن بعض الكتب المعتبرة لتتبع صاحبها: أنه عليه السلام كان عضدا لأخيه الحسين يوم حمل على الفرات وأزاح عنه جيش معاوية وملك الماء. قال: ومما يروى: أنه في بعض أيام صفين خرج من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدر عمره بسبع عشرة سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إن أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكلما خرج أحد منهم قتله حتى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولما برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرؤ أحد على مبارزته، وتعجب أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقره دعاهُ أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأزال النقاب عنه، فإذا هو " قمر بني هاشم " ولده العباس (عليه السلام). قال صاحب الكبريت بعد هذه الحكاية: وليس ببعيد صحة الخبر، لأن عمره يقدر بسبع عشرة سنة، وقد قال الخوارزمي: كان تاما كاملا. وهذا نص الخوارزمي في المناقب ص147: " خرج من عسكر معاوية رجل يقال له: كريب، كان شجاعا قويا يأخذ الدرهم فيغمزه بابهامه فتذهب كتابته، فنادى ليخرج إلي علي، فبرز إليه مرتفع بن وضاح الزبيدي فقتله، ثم برز إليه شرحبيل بن بكر فقتله، ثم برز إليه الحرث بن الحلاج الشيباني فقتله، فساء أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك، فدعا ولده العباس (عليه السلام)، وكان تاما كاملا من الرجال، وأمره أن ينزل عن فرسه وينزع ثيابه، فلبس علي (عليه السلام) ثياب ولده العباس وركب فرسه، وألبس ابنه العباس ثيابه وأركبه فرسه، لئلا يجبن كريب عن مبارزته إذا عرفه، فلما برز إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكّره الآخرة، وحذّره بأس الله وسخطه. فقال كريب: لقد قتلت بسيفي هذا كثيرا من أمثالك، ثم حمل على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاتقاه بالدرقة وضربه علي على رأسه فشقه نصفين، ورجع أمير المؤمنين وقال لولده محمد بن الحنفية: قف عند مصرع كريب، فإن طالب وتره يأتيك، فامتثل محمد أمر أبيه، فأتاه أحد بني عمه وسأله عن قاتل كريب؟ قال محمد: أنا مكانه، فتجاولا ثم قتله محمد، وخرج إليه آخر فقتله محمد حتى أتى على سبعة منهم ". وفي ص105 من المناقب ذكر حديث العباس بن الحارث بن عبد المطلب: " وقد برز إليه عثمان بن وائل الحميري فقتله العباس، فبرز إليه أخوه حمزة، وكان شجاعا قويا، فنهاه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مبارزته، وقال له: انزع ثيابك وناولني سلاحك وقف مكانك، وأنا أخرج إليه، فتنكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وبرز إليه وضربه على رأسه، فقطع نصف رأسه ووجهه وابطه وكتفه، فتعجب اليمانيون من هذه الضربة وهابوا العباس بن الحارث ". هذا ما حدث به في المناقب، ومنه نعرف أن هناك واقعتين جرتا لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع ولده العباس ومع العباس بن الحارث. فانكار شيخنا الجليل المحدث النوري في حضور العباس في صفين، مدعيا اشتباه الأمر على بعض الرواة بالعباس بن الحارث في غير محله، فإن الحجة على تفنيد الخبر غير تامة ; لأن آحاد هذا البيت ورجالاتهم قد فاقوا الكل في الفضائل جميعها، وجاؤوا بالخوارق في جميع المراتب، فليس من البدع إذا صدر من أحدهم ما يمتنع مثله عن الشجعان، وإن لم يبلغوا مبالغ الرجال. فهذا القاسم بن الحسن السبط لم يبلغ الحلم يوم الطف، وقد ملأ ذلك المشهد الرهيب هيبة وأهدى إلى قلوب المقارعين فرقا، وإلى الفرائص ارتعادا، وإلى النفوس خورا، غير مبال بالجحفل الجرار، ولا مكترث بمزدحم الرجال حتى قتل خمسة وثلاثين فارسا، وبطبع الحال فيهم من هو أقوى منه، لكن البسالة وراثة بين أشبال (علي)، على حد سواء، فهم فيها كأسنان المشط صغيرهم وكبيرهم، كما أنهم في الأنفة عن الدنية سيان، فلم يغتالوا الشبل الباسل حتى وقف يشد شسع نعله، وهو لا يزن الحرب إلا بمثله، وقد أنف (شبل الوصي) أن يحتفي في الميدان. أهوى يشد حذاءه ... والحرب مشرعة لأجله ليسومها ما إن غلت ... هيجاؤها بشراك نعله متقلدا صمصامه... متفيئا بظلال نصله لا تعجبن لفعله ... فالفرع مرتهن بأصله السحب يخلفها الحيا ...والليث منظور بشبله يردي الطليعة منهُمُ... ويريهُمُ آيات فعله وهذا عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب بارز يوم الطف الألوف مع صغر سنه، حتى قتل منهم على رواية محمد بن أبي طالب ثلاثة وتسعين رجلا بثلاث حملات. وهذا محمد بن الحنفية فإن له مواقفا محمودة في الجمل وصفين والنهروان، وكانت الراية معه، فأبلى بلاء حسنا سجله له التاريخ وشكره الإسلام، وكان صغير السن على ما يظهر من السبط في تذكرة الخواص وابن كثير في البداية ج9 ص38(2)، فإنهما نصا على وفاته سنة 81 هـ عن خمس وستين فتكون ولادته سنة 16 هـ وله يوم البصرة الواقع سنة 36 عشرون سنة. وحينئذ فلا غرابة في التحدث عن موقف أبي الفضل وما أبداه من كر وإقدام خصوصا بعد ما أوقفنا النص النبوي الآتي على ما حواه ولد أبي طالب من بسالة وبطولة. وأما يوم شهادة أخيه الإمام المجتبى فله أربع وعشرون سنة وقد ذكر صاحب كتاب " قمر بني هاشم " ص84 أنه لما رأى جنازة سيد شباب أهل الجنة ترمى بالسهام عظم عليه الأمر، ولم يطق صبرا دون أن جرد سيفه وأراد البطش بأصحاب " البغلة " لولا كراهية السبط الشهيد الحرب، عملا بوصية أخيه " لا تهرق في أمري محجمة من دم ، فصبر أبو الفضل على أحر من جمر الغضا، ينتظر الفرصة، ويترقب الوعد الإلهي، فأجهد النفس، وبذل مهجته في مشهد (النواويس)، وحاز كلتا الحسنيين. الشهادة لم يزلْ قمر بني هاشم دؤوباً على مناصرة الحق في شمم وإباء مرتفعاً عن النزول على حكم الدنيّة، منذُ أن أرتضع لبان البسالة، وتربى في حجر الإمامة، فترعرع ونُصبُ عينه أمثلة الشجاعة والتضحية دون النواميس الإلهية، لمطاردة الرجال، ومجالدة الأبطال، فإما فوز بالظفر أو ظفر بالشهادة، فمن الصعب عنده النزول على الضيم، وهو يرى الموت تحت مشتبك الأسنة أسعد من حياة تحت الاضطهاد، فكان لا يرى للبقاء قيمة " وإمام الحق " مكدور، وعقائل بيت الوحي قد بلغ منهن الكرب كل مبلغ. ولكن لما كان (سلام الله عليه) أنفس الذخائر عند السبط الشهيد، وأعز حُماتِهِ لديه، وطمأنينة الحرم بوجوده وبسيفه الشاهر، ولوائه الخفاق، وبطولته المعلومة ; لم يأذن له إلى النفس الأخير من النهضة المقدسة، فلا الحسين يسمح به، ولا العائلة الكريمة تألف بغيره، ولا الحالة تدعه لأن يغادر حرائر أبيه بين الوحوش الكواسر. هكذا كان أبو الفضل (عليه السلام) بين نزوع إلى الكفاح بمقتضى غريزته، وتأخر عن الحركة لباعث ديني وهو طاعة الإمام (عليه السلام)، حتى بلغ الأمر نصابه، فلم يكن لجانب الغيرة أو دافعها مكافئ، وكان ملء سمعه ضوضاء الحرم من العطش تارة، ومن البلاء المقبل أخرى، (ومركز الإمامة) دارت عليه الدوائر، وتقطعت عنه خطوط المدد، وتفانى صحبه وذووه. هنالك أنتفض (صاحب اللواء) ـ ولا يلحقه الليث عند الهياج ـ فمثل أمام أخيه الشهيد يستأذنه، فلم يجد أبو عبد الله بُدّاً من الإذن، حيث وجد نفسه لتسبق جسمه إذ ليس في وسعه البقاء على تلك الكوارث الملمة من دون أن يأخذ ثأره من أولئك المردة، فعّرفه الحسين أنه مهما ينظر اللواء مرفوعاً فإنّه يرى العسكر متصلاً، والمدد متتابعاً، والأعداء تحذر صولته، وترهب إقدامه، وحرائر النبوة مطمئنة بوجوده، فقال له: " أنت صاحب لوائي "، ولكن اطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء. فذهب العباس إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار، فلم ينفع، فرجع إلى أخيه وأخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فنهضت (بساقي العطاشى) غيرته الشماء، وأخذ القربة، وركب فرسه، وقصد الفرات، فلم يرعه الجمع المتكاثر، وكشفهم شبل علي عن الماء، وملك الشريعة، ومذ أحسّ ببرده تذكّر عطش الحسين، فرأى من واجبه ترك الشرب ; لأن الإمام ومن معه أضّر بهم العطش، فرمى الماء من يده وأسرع بالقربة محافظاً على مهجة الإمام ولو في آن يسير وقال(1): يا نفس من بعد الحسين هوني... وبعده لا كنت أن تكوني هذا الحسين وارد المنون... وتشربين بارد المعين تالله ما هذا فعال ديني فتكاثروا عليه وقطعوا طريقه، فلم يبال بهم، وجعل يضرب فيهم بسيفه ويقول: لا أرهب الموت إذا الموت زقا ...حتى أوارى في المصاليت لقا إني أنا العباس أغدو بالسقا ...ولا أهاب الموت يوم الملتقى فكمن له زيد بن الرقاد الجهني، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي، فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله وجعل يضرب فيهم ويقول: والله إن قطعتُمُ يميني ...إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين ...نجل النبي الطاهر الأمين فكمن له حكيم بن الطفيل من وراء نخلة، فضربه على شماله فبراها، فضم اللواء إلى صدره. فعند ذلك أمنوا سطوته، وتكاثروا عليه، وأتته السهام كالمطر، فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وسهم أصاب عينه، وحمل عليه رجل بعمود من حديد وضربه على رأسه المقدس. وهوى بجنب العلقمي فليته ... للشاربين به يداف العلقم ونادى بصوت عالٍ: عليك مني السلام يا أبا عبد الله(1)، فأتاه الحسين (عليه السلام)، ويا لهف نفسي بماذا أتاه، أبحياة مستطارة منه بذلك الفادح الجلل، أو بجاذب من الأخوة إلى مصرع صنوه المحبوب! نعم، وصل الحسين عنده وهو يبصر هيكل البسالة وقربان القداسة فوق الصعيد، وقد غشيته الدماء السائلة، وجللته النبال، ورأى ذلك الغصن الباسق قد ألم به الذبول، فلا يمين تبطش، ولا منطق يرتجز، ولا صولة ترهب، ولا عين تبصر، ومرتكز الدماغ على الأرض مبدد. أصحيح أن الحسين ينظر إلى تلكم الفجائع ومعه حياة تقدمه، أو عافية تنهض به؟ لا والله لم يبق الحسين بعد أبي الفضل إلا هيكلا شاخصا، معرى عن لوازم الحياة، وقد أعرب سلام الله عليه عن هذا الحال بقوله: " الآن انكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي ". وبانَ الانكسارُ في جبينِهِ ... فانكّدت الجبال من حنينِهِ كافل أهله وساقي صبيتِهْ ... وحامل اللوا بعالي هّمتِهْ وكيف لا وهو جمال بهجتِهْ ...وفي محياه سرور مهجتِهْ ورجع إلى المخيم منكسرا حزينا باكيا يكفكف دموعه بكمه كي لا تراه النساء، وقد تدافعت الرجال على مخيمه، فنادى بصوت عال: أما من مجير يجيرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من طالب حق ينصرنا؟ أما من خائف من النار فيذبّ عنا؟ كل هذا لإبلاغ الحجة، وإقامة العذر، حتى لا يعتذر أحد بالغفلة يوم يقوم الناس لرب العالمين. ولما رأته سكينة مقبلا أخذت بعنان جواده، وقالت: أين عمي العباس، أراه أبطأ بالماء؟ فقال لها: إن عمك قتل، فسمعته زينب فنادت: واأخاه! واعباساه! واضيعتنا بعدك! وبكين النسوة وبكى الحسين معهن، ونادى: واضيعتنا بعدك أبا الفضل.

4