السیاسات و الشروط
( 42 سنة ) - السعودية
منذ سنتين

معنى الفطرة

يقول تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. هل تعود عبارة لا تبديل لخلق الله على الفطرة ؟ وهل وجود الملحدين دليل على تغيرها ؟


جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٢ - الصفحة ٥١٧-٥١٩: فإن الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث - تتحدث عن التوحيد الفطري، أي الاستدلال على التوحيد عن طريق المشاهدة الباطنية والدرك الضروري والوجداني، إذ يقول القرآن في هذا الصدد: فأقم وجهك للدين حنيفا لأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ووجه القلب والروح فعلى هذا ليس المراد هنا من الوجه أو المحيا وحده، بل التوجه بجميع الوجود، لأن الوجه أهم أعضاء البدن! وكلمة " أقم " مشتقة من الإقامة، ومعناه الاستقامة والوقوف بثبات (على قدم راسخة) ... المزید وكلمة " حنيف " مشتقة من " حنف "، ومعناها الميل من الباطل نحو الحق، ومن الإعوجاج نحو الاستواء والاستقامة، على العكس من " جنف " على وزن " حنف " أيضا، ومعناها الميل من الاستواء إلى الضلالة والإعواجاج. فمعنى الدين الحنيف هو الدين المائل نحو العدل والاستواء عن كل انحراف وباطل وخرافة وضلال. فيكون معنى هذه الجملة بمجموعها، أن وجه نفسك دائما نحو مبدأ ومذهب خال من أي أنواع الإعوجاج والانحراف، وذلك هو مبدأ الإسلام ودين الله الخالص والطاهر (1). إن الآية المتقدمة تؤكد على أن الدين الحنيف الخالص الخالي من كل أنواع الشرك، هو الدين الذي ألهمه الله سبحانه في كل فطرة، الفطرة الخالدة التي لا تتغير، وإن كان كثير من الناس غير ملتفت لهذه الحقيقة. والآية المتقدمة تبين عدة حقائق: 1 - إن معرفة الله - ليست وحدها - بل الدين والاعتقاد بشكل كلي وفي جميع أبعاده هو أمر فطري، وينبغي أن يكون كذلك، لأن الدراسات التوحيدية تؤكد أن بين جهاز التكوين والتشريع انسجاما لازما، فما ورد في الشرع لابد أن يكون له جذر في الفطرة، وما هو في التكوين وفطرة الإنسان متناغم مع قوانين الشرع! وبتعبير آخر: إن التكوين والتشريع عضدان قويان يعملان بانسجام في المجالات كافة، فلا يمكن أن يدعو الشرع إلى شئ ليس له أساس ولا جذر في أعماق فطرة الإنسان، ولا يمكن أن يكون شئ في أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع! وبدون شك فإن الشرع يعين حدودا وقيودا لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف، إلا أنه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة، بل يهديها من الطريق المشروع، وإلا فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين، وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد. وبعبارة أخرى: إن الله لا يفعل أعمالا متناقضة أبدا، بحيث يقول أمره التكويني: افعل! ويقول أمره التشريعي: لا تفعل. 2 - إن الدين له وجود نقي خالص من كل شائبة داخل نفس الإنسان، أما الانحرافات فأمر عارض، ووظيفة الأنبياء إذن إزالة هذه الأمور العارضة، وفسح المجال لفطرة الإنسان في الإشراق. 3 - إن جملة لا تبديل لخلق الله وبعدها جملة ذلك الدين القيم تأكيدان آخران على مسألة كون الدين فطريا، وعدم إمكان تغيير هذه الفطرة!... وإن كان كثير من الناس لا يدركون هذه الحقيقة بسبب عدم رشدهم كما ينبغي! وينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة، وهي أن الفطرة في الأصل من مادة " فطر " على زنة " بذر " ومعناها شق الشئ من الطول، وهنا معناها الخلقة، فكأن ستار العدم ينشق عند خلق الموجودات ويبرز كل شئ منها. وعلى كل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه في عالم الوجود، كان هذا النور متوقدا في داخله، من أول يوم ومن ذلك الحين! والروايات المتعددة التي وردت في تفسير الآية تؤيد ما ذكرناه آنفا .أنتهى والحواب عن سؤالكم :هل تعود عبارة لا تبديل لخلق الله على الفطرة ؟ وهل وجود الملحدين دليل على تغيرها ؟ نعم عبارة (لاتبديل لخلق الله )إلى الفطرة لأن الفطرة هي الجبلة الانسانية الموهوبة من الله تعالى للانسان : (( فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا )) (الروم:30) وقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( فطروا على التوحيد ) وعن زرارة قال : سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن قول الله (( فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا )) قال : فطرهم على معرفة انه ربهم ولولا ذلك لم يعلموا اذا سئلوا من ربهم ولا من رازقهم ) والامر الفطري هو الامر المركوز في نفس الانسان ووجدانه . واذا كان كذلك فليست الفطرة اذن امرا كسبيا، ومن شأن الفطرة انها تتلوث بادران المعاصي والذنوب فتتشوه او يغلفها الرين، فيفقد الانسان قدرته على معرفة التوحيد فيصير مشككا وربما وصل به الامر انكار التوحيد والالوهية .