logo-img
السیاسات و الشروط
( 50 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير الآية

بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) صدق الله العلي العظيم ممكن تفسير الآية ان من أزواجكم وأولادكم عدو لكم؟


جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٨ - الصفحة ٣٩١-٣٩٤: سبب النزول في تفسير القمي في رواية أبي الجارود (عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وذلك أن الرجل إذا أراد الهجرة تعلق به ابنه وامرأته وقالوا: ننشدك الله أن لا تذهب عنا فنضيع بعدك، فمنهم من يطيع أهله فيقيم، فحذرهم الله أبناءهم ونساءهم، ونهاهم عن طاعتهم، ومنهم من يمضي ويذرهم ويقول: أما والله لئن لم تهاجروا معي ثم جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشئ أبدا. فلما جمع الله بينه وبينهم أمر الله أن يتوق بحسن وصله فقال: وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم . حذر القرآن الكريم من مغبة الوقوع في الحب المفرط للأولاد والأموال، الذي قد يجر إلى عدم الطاعة لله ورسوله حيث قال: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم. إن هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة، فأحيانا يتعلقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة، واخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم، وما إلى ذلك. وليس كل الأولاد، ولا كل الزوجات كذلك، لهذا جاءت " من " التبعيضية. وتظهر هذه العداوة أحيانا بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة، وحينا آخر تظهر بسوء النية وخبث المقصد. وعلى كل حال فإن الإنسان يصبح على مفترق طريقين، فطريق الله وطريق الأهل والأزواج، ولا ينبغي أن يتردد الإنسان في اتخاذ طريق الله وإيثاره على غيره، ففيه النجاة والصلاح في الدنيا والآخرة. وهذا ما أكدت عليه الآية 23 من سورة التوبة: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. ومن أجل أن لا يؤدي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل، نجد القرآن يوازن ذلك بقوله في ذيل نفس الآية: وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم فإذا ندموا واعتذروا والتحقوا بكم فلا تتعرضوا لهم بعد ذلك، واعفوا عنهم واصفحوا كما تحبون أن يعفوا الله عنكم. جاء في حديث الإفك أن بعض المؤمنين أقسموا أن يقاطعوا أقرباءهم الذين ساهموا في بث تلك الشائعة الخبيثة وترويجها، وأن يمنعوا عنهم أي عون مالي، فنزلت الآية 22 من تلك السورة: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا ويصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم. وكما يظهر من المعنى اللغوي فإن لغفران الذنب مستويات ثلاثة هي (العفو) بمعنى صرف النظر عن العقوبة، و (الصفح) في مرتبة أعلى، ويراد به ترك أي توبيخ ولوم، و (الغفران) الذي يعني ستر الذنب وتناسبه، وبهذا فان الآية في نفس الوقت الذي تدعو الإنسان إلى الحزم وعدم التسليم في مقابل الزوجة والأولاد فيما لو دعوه إلى سلوك خاطئ تدعوه كذلك إلى بذل العفو والمحبة في جميع المراحل وكل ذلك من أساليب التربية السليمة وتعميق جذور التدين والإيمان في العائلة. وتشير الآية اللاحقة إلى أصل كلي آخر حول الأموال والأولاد، حيث تقول: إنما أموالكم وأولادكم فتنة فإذا تجاوزتم ذلك كله فإن الله عنده أجر عظيم. وقد تقدم في الآية السابقة الكلام عن عداء بعض الأزواج والأولاد الذين يدعون الإنسان إلى الانحراف وسلوك طريق الشيطان والمعصية والكفر، وفي هذه الآية نجد الكلام عن أن جميع الأموال والأولاد عبارة عن " فتنة "، وفي الحقيقة فان الله يبتلي الإنسان دائما من أجل تربيته، وهذين الأمرين (الأموال والأولاد) من أهم وسائل الامتحان والابتلاء، لأن جاذبية الأموال من جهة، وحب الأولاد من جهة أخرى يدفعان الإنسان بشدة إلى سلوك طريق معين قد لا يكون فيه رضا الله تعالى أحيانا، ويقع الإنسان في بعض الموارد في مضيقة شديدة، ولذلك ورد التعبير في الآية " إنما " التي تدل على الحصر. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية عنه " لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن فإن الله سبحانه يقول: واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة " .