( 38 سنة ) - السعودية
منذ سنتين

دور السيدة زينب الاجتماعي

جاء في سيرة السيدة زينب (ع) ان يحيى المازني كان جاراً للسيدة وانها لم يكن يسمع صوتها ولم يكن يراها تخرج وكانت اذا ارادت الخروج لزيارة قبر جدها كانت برفقة الحسن والحسين وأمير المؤمنين (ع) فكيف نجمع بين ذلك وبين اداء حق الجارات و تداخلها مع المجتمع وأخذ دور اجتماعي اذ ان لا نسمع عن دور السيدة الا في واقعة الطف ( مرحلة الكهولة وما بعدها ) فأين دور السيدة زينب الاجتماعي في مرحلة الشباب ؟


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم تكن حياة السيّدة زينب(عليها السلام) بعيدة عن أثر تغيّرات القضايا التي روى وسجل التاريخ أحداثها، بل إنّها كانت تعايش وتقاسي ذلك، فقد فُجعت بفقدها جدّها الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه واله)، وكان لها من العمر خمس سنوات، وما جرى بعد ذلك على الإمام علي(عليه السلام) والسيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، من السقيفة، وغصب حقّ أُمّها الزهراء(عليها السلام)، وحادثة الضرب وإسقاط الجنين، وما فُجعت به بعد شهور بفقدها أُمّها الزهراء(عليها السلام)، وما عانته جرّاء مشاهدتها والدها(عليه السلام) وهو صابرٌ على المحنة. ولقد استجدّت بعد وفاة الرسول على امتداد خمسين سنة وطرأت تغيُّرات كثيرة في الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والمعيشية في المجتمع الإسلامي، وتغيّرت معها أفكار وسلوكيات المسلمين عمّا كانت عليه في عصر النبي(صلى الله عليه و اله)، وبعد تولّي الإمام علي(عليه السلام) الخلافة، ومحاولة أعدائه عرقلة سياسته؛ بإثارة الاضطرابات الداخلية والمتمثّلة بالحروب أثناء خلافته(عليه السلام)، والتي انتهت باستشهاده(عليه السلام) على يد الشقي عبد الرحمن بن ملجم. وبعدها قام الإمام الحسن(عليه السلام) بأعباء الإمامة، ولكن تخاذل أصحابه حينئذٍ عن إطاعته في حربه مع معاوية، فاضطر إلى مهادنة معاوية؛ حقناً لدماء المسلمين، ولكشف حقيقة معاوية لهم، وقد غدر الأخير بالإمام الحسن(عليه السلام)، فدسّ له السّم، وقضى الإمام بذلك شهيداً، وحينها بلغ الظلم الأُموي أكبر حدوده، فانصبّت المصائب الفادحة على شيعة أهل البيت(عليهم السلام) وأنصارهم. ولم يقتصر الأمر عند ذلك، بل ازداد الأمر سوءاً بتولي يزيد الملعون الحكم بعد معاوية، وبدء صراع الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، وفي مقدّمتهم السيّدة زينب(عليها السلام)، ضدّ سياسة يزيد بن معاوية، ومحاولة الأخير إضفاء صفة الشرعية على حكمه بأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان رفض الإمام ذلك معلوماً، فبدأت حركة الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته الإصلاحية لمواجهة حكومة يزيد؛ رافعة شعار استنهاض الأُمّة بدعوة جهادية، يعمل الإمام فيها على إحياء الدين. وتجسّد رفض الإمام لحكومة يزيد بكلمته(عليه السلام): (ومثلي لا يبايع مثله)، فلم يرضخ للبطش والسلطة، ولم يرضَ بالذلّ والهوان بديلاً عن الإباء والرفعة؛ لأنّه(عليه السلام) قال: (فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً)، فظلّ ثابتاً على موقفه، قاتل وأُثخن بالجراح حتّى قُتل، وكانت وقفته أمام الظالمين وقفة رسولٍ ظلمه قومه، فختم ذلك الصراع بين الحقّ والباطل، وبين الإيمان كلّه والكفر كلّه، بواقعة عاشوراء، وهذه الفاجعة يمكن عدّها أعظم ما مرّ على السيّدة زينب(عليها السلام). و كان للسيدة زينب عليها السلام دور بارز في تحصين وتطوير المجتمع النسائي،ومما جاء في سيرة السيّدة زينب (عليها السلام): "أنّها كانت تنوب عن أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) في حال غيابه، فيرجع إليها المسلمون في المسائل الشرعيّة؛ ونظراً لسعة معارفها كان الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يروي عنها، وكذلك كان يروي عنها عبد الله بن جعفر، والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام). ولمّا كانت في الكوفة في أيام أبيها كان لها مجلس خاص تزدحم عليها السيّدات، فكانت تلقي عليهنَّ محاضرات في تفسير القرآن الكريم، كما كانت المرجع الأعلى للسيّدات من نساء المسلمين، فكنّ يأخذنَ منها أحكام الدين وتعاليمه وآدابه. ويكفي للتدليل على فضلها أنّ ابن عباس حبر الاُمّة كان يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلّها، كما روى عنها كوكبة من الأخبار، وكان يعتزّ بالرواية عنها، ويقول : حدّثتنا عقيلتنا زينب بنت علي. وقد روى عنها الخطاب التاريخي الذي ألقته اُمّها سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) في جامع أبيها (صلّى الله عليه وآله). وقد نابت عن ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في أيام مرضه ، فكانت تجيب عمّا يرد عليه من المسائل الشرعيّة ، وقد قال (عليه السّلام) في حقها :(( إنّها عالمة غير معلّمة)). وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ السيّدة (عليها السلام) كانت توصل الإجابات عن طريق نسوة الرجال الذين رووا عنها. وكانت ألمع خطيبة في الإسلام ؛ فقد هزّت العواطف، وقلبت الرأي العام وجنّدته للثورة على الحكم الاُموي ، وذلك في خطبها التاريخية الخالدة التي ألقتها في الكوفة ودمشق، وهي تدلّل على مدى ثرواتها الثقافية والأدبية .

1