إنّ السؤال المطروح ، كيف أمر الإمام الحسين (عليه السلام ) أصحابه بإلاغتسال ليلة عاشوراء مع عدم وجود الماء ، يمكن لنا الإجابة عنه بإلاستناد إلى ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الأمالي عن الإمام زين العابدين (ع) قال "إنَّ الحُسَينَ (عليه السّلام) أمَرَ بِحَفيرَةٍ فَحُفِرَت حَولَ عَسكَرِهِ شِبهَ الخَندَقِ، وأمَرَ فَحُشِيَت حَطَبًا، وأرسَلَ عَلِيًّا ابنَهُ (عليه السّلام) في ثَلاثينَ فارِسًا وعِشرينَ راجِلًا لِيَستَقُوا الماءَ، وهُم عَلى وَجَلٍ شَديدٍ .. ثُمَّ قالَ لِأَصحابِهِ: قُوموا فَاشرَبوا مِنَ الماءِ يَكُن آخِرَ زادِكُم، وتَوَضَّؤوا وَاغتَسِلوا، وَاغسِلوا ثِيابَكُم لِتَكونَ أكفانَكُم ثُمَّ صَلّى بِهِمُ الفَجرَ، وعَبَّأَهُم تَعبِئَةَ الحَربِ .."
والواضح مِن مساق الرواية أنَّ الإمام الحسين (ع) أمرَ أصحابه بشرب الماء والاغتسال منه في سحر ليلة العاشر من المحرَّم ثم صلَّى بهم صلاة الفجر وعبَّأهم للحرب، والواضح مِن الرواية هو أنَّ الماء الذي أمرهم بالشرب منه والاغتسال هو الماء الذي جلبَه أصحابُ الحسين (ع) من الفرات ليلة العاشر بعد معركة خاضوها مع الحرس من المعسكر الأموي على الفرات.
وعليه فليس للرواية دلالة على وجود الماء فضلًا عن وُفرته قبل مجيء أصحاب الحسين (ع) بقِرَب الماء العشرين من الفرات ليلة العاشر بل الرواية دالَّة على عدم وجود الماء أو لا أقلَّ من دلالتها على شحَّته قبل مجيء أصحاب الحسين (ع) بالماء، إذ لو كان الماء موفورًا لما خاطر الحسين (ع) بأصحابِه وأمرَهم بخوض معركةٍ على الماء قد تكون نتيجتها الفقد لأكثر أصحابه الذين بعثَهم وذلك لعدم تكافؤهم مع المرابطين في العدد والعتاد، فلولا أنَّ معسكر الحسين (ع) كان مضطرًا للماء لما خاطر وبعث على وجلٍ شديد -كما عبَّرت الرواية- ابنَه الأكبر وأخاهُ العباس وثلاثين من فرسانه وعشرين من رجاله وهم جلُّ أنصاره والذين من المُفترض أنْ يدَّخرهم للحرب المنتظرة، فالرواية دليلٌ على اضطرارهم للماء لا أنَّها دليلٌ على وُفرته كما توهَّم بعض من أدعى وجود الماء في الخيام قبل يوم العاشر.
ثم إنَّ في الرواية إشعارًا إنْ لم يكن ظهورًا في أنَّ هذا الماء الذي أمرهم باستعماله والذي تحصَّلوا عليه بعد معركةٍ عرَّضوا فيها حياتهم للخطر، هذا الماء هو مقدارُ ما لديهم، فهو آخر زادِهم من الدنيا لن يذوقوا بعده ماءً إلى أنْ ينقلبوا إلى ربِّهم شهداء ظامئين، فكان الظمأُ هو نصيبَهم قبل أن يتبلَّغوا بهذا الماء في سحر ليل العاشر وسيكون مآل أمرهم إلى الظمأ بعده.