( 13 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير القرآن

من سورة (الممتحنه) بسم الله الرحمن الرحيم (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودةِ وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تُسِرُّونَ إليهم بالمودةِ وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل(١)) ماتفسير الآية الكريمة ؟


جاء في تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٢٦-٢٢٩: قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " الخ، سياق الآيات يدل على أن بعض المؤمنين من المهاجرين كانوا يسرون الموادة إلى المشركين بمكة ليحموا بذلك من بقي من أرحامهم وأولادهم بمكة بعد خروجهم أنفسهم منها بالمهاجرة إلى المدينة فنزلت الآيات ونهاهم الله عن ذلك، ويتأيد بهذا ما ورد أن الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة أسر كتابا إلى المشركين بمكة يخبرهم فيه بعزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الخروج إليها لفتحها، فعل ذلك ليكون يدا له عليهم يقي بها من كان بمكة من أرحامه وأولاده فأخبر الله بذلك نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونزلت، وستوافيك قصته في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى. فقوله: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء " العدو معروف ويطلق على الواحد والكثير والمراد في الآية هو الكثير بقرينة قوله: " أولياء " و " إليهم " وغير ذلك، وهم المشركون بمكة، وكونهم عدوه من جهة اتخاذهم له شركاء يعبدونهم ولا يعبدون الله ويردون دعوته ويكذبون رسوله، وكونهم أعداء للمؤمنين لايمانهم بالله وتفديتهم أموالهم وأنفسهم في سبيله فمن يعادي الله يعاديهم. وذكر عداوتهم للمؤمنين مع كفاية ذكر عداوتهم لله في سوق النهي لتأكيد التحذير والمنع كأنه قيل: من كان عدوا لله فهو عدو لكم فلا تتخذوه وليا. وقوله: " تلقون إليهم بالمودة " بالمودة مفعول " تلقون " والباء زائدة كما في قوله: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " البقرة: 195، والمراد بإلقاء المودة إظهارها أو إيصالها، والجملة صفة أو حال من فاعل " لا تتخذوا ". وقوله: " وقد كفروا بما جاءكم من الحق " هو الدين الحق الذي يصفه كتاب الله ويدعو إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والجملة حالية. وقوله: " يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم " الجملة حالية والمراد بإخراج الرسول وإخراجهم اضطرارهم الرسول والمؤمنين إلى الخروج من مكة والمهاجرة إلى المدينة، و " أن تؤمنوا بالله ربكم " بتقدير اللام متعلق بيخرجون، والمعنى: يجبرون الرسول وإياكم على المهاجرة من مكة لايمانكم بالله ربكم. وتوصيف الله بقوله: " ربكم " للإشارة إلى أنهم يؤاخذونهم على أمر حق مفروض ليس بجرم فإن إيمان الانسان بربه مفروض عليه وليس من الجرم في شئ. وقوله: " إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي " متعلق بقوله: " لا تتخذوا " وجزاء الشرط محذوف يدل عليه المتعلق، و " جهادا " مصدر مفعول له، و " ابتغاء " بمعنى الطلب و " المرضاة " مصدر كالرضى، والمعنى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم هاجرتم للمجاهدة في سبيلي ولطلب رضاي. وتقييد النهي عن ولائهم واشتراطه بخروجهم للجهاد وابتغائهم مرضاته من باب اشتراط الحكم بأمر محقق الوقوع تأكيدا له وإيذانا بالملازمة بين الشرط والحكم كقول الوالد لولده: إن كنت ولدي فلا تفعل كذا. وقوله: " تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم " أسررت إليه حديثا أي أفضيت إليه في خفية فمعنى " تسرون إليه بالمودة " تطلعونهم على ما تسرون من مودتهم - على ما قاله الراغب - والاعلان خلاف الاخفاء، و " أنا أعلم " الخ، حال من فاعل " تسرون " و " أعلم " اسم تفضيل، واحتمل بعضهم أن يكون فعل المتكلم وحده من المضارع متعديا بالباء لان العلم ربما يتعدى بها. وجملة: " تسرون إليهم " الخ، استئناف بيانية كأنه قيل بعد استماع النهي السابق: ماذا فعلنا فأجيب: تطلعونهم سرا على مودتكم لهم وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم أي أنا أعلم بقولكم وفعلكم علما يستوي بالنسبة إليه إخفاؤكم وإظهاركم. ومنه يعلم أن قوله: " بما أخفيتم وما أعلنتم " معا يفيدان معنى واحدا وهو استواء الاخفاء والاعلان عنده تعالى لإحاطته بما ظهر وما بطن فلا يرد أن ذكر " ما أخفيتم " يغني عن ذكر " ما أعلنتم " لان العالم بما خفي عالم بما ظهر بطريق أولى. وقوله: " ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل " الإشارة بذلك إلى أسرار المودة إليهم وهو الموالاة، و " سواء السبيل " من إضافة الصفة إلى الموصوف أي السبيل السوي والطريق المستقيم وهو مفعول " ضل " أو منصوب بنزع الخافض والتقدير فقد ضل عن سواء السبيل، والسبيل سبيل الله تعالى.

3