السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
روي عن الامام الحسين عليه الصلاة والسلام. يقول: «كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة ومنتهى كل رغبة». (تاريخ الطبري: ج4، ص231).
فيمكن مواجهة و علاج الهموم من خلال ما روي عن الامام عليه السلام:
1ــ قوة الفؤاد
2ــ توفر الحيلة
3ــ وقوف الصديق ومساندته
4ــ فقدان العدو
5ــ الشكوى إلى الله تعالى
6ــ اليقين بالفرج
فهذه العوامل التي تناولها الإمام في دعائه قد تكون في بعض الأحيان سبب من أسباب الهم والغم، لكنها وفي أحيان أخرى يمكن أن تعد عوامل لدفع جميع أنواع الهموم والغموم.
فـ(قوة الفؤاد):
تدفع الهم من مد أنيابه ومخالبه إلى الفكر فتمنع تشتته، بل تعطي نتيجة عكسية، بمعنى: يصبح الإنسان واعياً ومدركا وعارفا بمخارج هذه الأزمة أو تلك الشدة، فينجو من هذا الكرب وهذه الشدة.
و(توفر الحيلة): هي الأخرى تدفع بالهموم، لأن الهم هو ما يؤدي إلى فقدان الحيلة، بسبب تشتت الفكر أو بسبب تحقق وقوع البلاء، فيرى الإنسان نفسه لا محالة مصيبه هذا البلاء، ومثاله كمن أحاط بداره اللصوص وهو لا يملك ما يدفع به عن نفسه فيبقى محتاراً لا يدري ماذا يصنع، فإذا توفرت لديه الحيلة أي السبيل للخروج والنجاة أو دفع هذه الشدة، انكشف غمه وفرج همه.
و(وقوف الصديق ومساندته):
فمما لا شك فيه أن حضور الصديق ووقوفه في الشدائد يدفع بقسم كبير من الهموم، وإذا قام الصديق بخذلان صديقه يتضاعف الهم على الإنسان لأنه يولد في نفسه الشعور بالوحدة ويتعاظم عنده الإحساس بالخسارة من خلال انكشاف حقيقة هذا الصديق.
ولذلك: كان أئمة أهل البيت عليهم السلام يوجهون المؤمنين إلى خطورة اتخاذ المرء صديقا لما يترتب على صحبته من فوائد وأضرار، فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:«لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت في هذه الحدود أو شيء منها فأنسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة.
فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.
والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه.
والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.
والرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته.
والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات» (الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج2، ص639، ح6).
وروي عن علي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وفي غيبته، وفي وفاته» (نهج البلاغة ص33).
وأما (فقدان العدو)
فهو كذلك من العوامل التي تؤدي إلى كشف الهموم، بمعنى: إذا وجد العدو وحلّ البلاء بالإنسان فإن من الأمور التي يتحسب لها المرء هي شماتة العدو حتى قد ينسيه هذا الأمر أصل البلاء الذي أصابه لما تخلفه الشماتة على الإنسان من آثار نفسية كبيرة.
ومعنى الشماتة: هي فرح العدو بما يصيب الإنسان من مصيبة، وإظهار الشماتة: إظهار للفرح والسرور والبشاشة والضحك عند المصائب، وبالقول مثل الهزء والسخرية به.
وقد نهى أئمة العترة عليهم السلام عن إبداء الشماتة لما يترتب على صاحب المصيبة من آلام نفسية كبيرة، وتعاظم للخصومة والعداوة، ومما ورد عن أئمة العترة عليهم السلام من الأحاديث الشريفة في بيان خطورة الشماتة على العلاقة الاجتماعية وتكون الأمراض النفسية، ما يلي:
1ــ فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن» (الكافي للشيخ الكليني كتاب الإيمان والكفر، باب الشماتة، ج2، ص359).
2ــ وعنه عليه السلام أيضا أنه قال: «لا تبدِ الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك» (نفس المصدر السابق).
وأما (الشكوى إلى الله تعالى)
فهي من أهم العوامل التي تعمل على تفريج الهموم لأنها تعيد القلب إلى وضعه الطبيعي وهو أشبه ما يكون بإرجاع السمكة إلى النهر، أو إعادة الطفل الرضيع إلى محالب أمه، وكذلك قلب الإنسان فإنه بالرجوع إلى الله تعالى وشكاية الهموم إليه يتحقق له الاستقرار والطمأنينة، لقوله تعالى في سورة الرعد ( الآية 28): { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
بل يبين أهل البيت عليهم السلام من خلال المناجاة أن الشكوى إلى الله تعالى لا تعطي فقط الاطمئنان وتفريج الهموم وإنما تخلف حلاوة خاصة في القلب، أي يتغير حال الإنسان من الشعور بالوحدة والغربة وأن لا ملجأ ولا ناصر ولا معين له، إلى الشعور بالأنس والحصانة والقوة والنصرة؛ فينتقل من تشتت الفكرة واضطراب القلب إلى حسن التدبير والسكينة.
بل: ينقلب الحال به تماما فيصبح مسروراً، ثم متلذذا بهذا البلاء؛ لأنه من فعل الحبيب وهو يحقق للقلب التواصل في الشكوى، وهو ما أظهره الإمام الحسين عليه السلام فقال: «رغبة مني عمن سواك».
هذه الرغبة التي أصلها الحب ستظهر بتجلياتها عليه حينما يباشر البلاء فعله عليه. ولذلك كان وجهه يتلألأ كلما اشتد به البلاء، أي كان وجهه المقدس مرآة تعكس التجليات التي تصحب عروجه إلى حظيرة القدس الإلهية ونزول الفيوضات الربانية.
حتى إذا كان على رمضاء كربلاء وأوداجه تشخب دما ينتقل عليه السلام في هذه اللحظات إلى رتبة من المناجاة التي لم يبلغها ولي من الأولياء.
ولذا: فقد حملت هذه المناجاة بيانا لمراتب التوحيد ودرجات اليقين ومنازل الحب ما لم تحملها مناجاة أخرى، وهي بذاك تكون كاشفة عن هذا السير الحسيني إلى الله تعالى.
إذن: فنظريته عليه السلام في دفع الهموم وتفريجها تستند إلى ستة عوامل، وهي: (قوة الفؤاد، وتوفر الحيلة، ووقوف الصديق، وفقدان العدو، والشكوى إلى الله تعالى، واليقين بالفرج وهو سنام العوامل) فمن لا يمتلك اليقين بالفرج لم تنفعه العوامل المتقدمة في إزالة الآثار التي توجدها الهموم في القلب والفؤاد، أي فكر الإنسان، فكم من شدة بقيت آثارها النفسية والعقلية والروحية إلى سنين عديدة مع توفر بعض تلك العوامل وافتقادها إلى التعيين بأن الله المفرج لكل هم والكاشف لكل كرب وشدة، بل لا ينتفع المبتلى بالشكوى إلى الله تعالى لكونه غير موقن بأن الله تعالى يفرج عنه.