يمكن لنا الإجابة عن سؤالكم ، بعدة نقاط:
١-الواجب على الولد تجاه أبويه أمران:
* (الأول): الإحسان اليهما، بالانفاق عليهما إن كانا محتاجين، وتأمين حوائجهما المعيشيّة، وتلبية طلباتهما، فيما يرجع الى شؤون حياتهما في حدود المتعارف والمعمول حسبما تقتضيه الفطرة السليمة، ويعدُّ تركها تنكراً لجميلهما عليه، وهو أمر يختلف سعة وضيقاً بحسب اختلاف حالهما من القوة والضعف.
* (الثاني): مصاحبتهما بالمعروف، بعدم الإساءة اليهما قولاً أو فعلاً، وان كانا ظالمين له، وفي النص: «وإن ضرباك فلا تنهرهما وقل: غفرالله لكما».
هذا فيما يرجع الى شؤونهما. وأما فيما يرجع الى شؤون الولد نفسه، مما يترتب عليه تأذي أحد أبويه فهو على قسمين:
١. أن يكون تأذيه ناشئاً من شفقته على ولده، فيحرم التصرف المؤدي اليه، سواء نهاه عنه أم لا.
٢. أن يكون تأذيه ناشئاً من اتصافه ببعض الخصال الذميمة كعدم حبه الخير لولده دنيوياً كان أم اَخروياً.
ولا أثر لتأذي الوالدين إذا كان من هذا القبييل، ولا يجب على الولد التسليم لرغباتهما من هذا النوع. وبذلك يظهر أن إطاعة الوالدين في أوامرهما ونواهيهما الشخصية غير واجبة في حدِّ ذاتها.
٢-يجوز للولد أن يناقش والديه فيما لا يعتقد بصحّته من آرائهما، ولكن عليه أن يراعي الهدوء والأدب في مناقشتهما ، فلا يحدّ النظر اليهما، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، فضلاً عن استخدام الكلمات الخشنة معهما.
٣-فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة. وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادياً ومعنوياً، وتحملا في سبيلهم أشد المتاعب والمشاق. فاضطلعت الأم بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقة الارضاع، وجهد التربية والمداراة.
واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة. تحمل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان من أولادهما ثناءاً ولا أجراً.
وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجم، أنهما يؤثران تفوق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للاعجاب ومدعاة للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الانسان من حب الظهور والتفوق على غيره.
من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقهما جسيماً، سما على كل فضل وحق بعد فضل اللّه عز وجل وحقه.
برّ الوالدين: وهذا ما يحتم على الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء، وجميل التوقير والاجلال، ولطف البر والاحسان، وسمو الرعاية والتكريم، أدبياً ومادياً.
أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحض على إجلالها ومصاحبتهما بالبر والمعروف، حيث قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾(لقمان:14-15).
وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * َاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾(الاسراء:23-24).
فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبر والاحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الاحسان اليهما بعبادته عز وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.
وعلى هدي القرآن وضوئه تواترت أحاديث أهل البيت عليهم السلام: قال الباقر عليه السلام: "ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهن رخصة: أداء الامانة الى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين"
وقال الصادق عليه السلام: "ان رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيين كانا أو ميتين، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان"
وعن أبي الحسن عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "كن باراً، واقتصر على الجنة، وان كنت عاقاً فاقتصر على النار"
وعنه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "نظر الولد الى والديه حباً لهما عبادة"