logo-img
السیاسات و الشروط
كربلاء ( 27 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كيف أتعامل مع العصاة والمذنبين، خصوصاً إذا كانوا لايبالون بالنصيحة؟


وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته قد ورد عن الإمام علي (عليه السلام)، في كيفية التعامل مع المذنبين ،فقال: "وإِنَّمَا يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِصْمَةِ والْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ، أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ والْمَعْصِيَةِ، ويَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ، والْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ".(ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج٩،ص٥٩). فتتحرك مشاعر الإنسان المؤمن بشكل تلقائي رفضاً للذنوب والمعاصي، فطبيعة الإيمان الصادق تنفر من الذنوب والأجواء الموبوءة؛ إذ المؤمن لا يمرّ على المنكرات والمخالفات الشرعية مرور الكرام، بل ينكرها، ويرفضها ويتمنّى زوالها، وذلك لأمور عدّة: أولًا: لأنّ المؤمن يعلم أنّ المعاصي والذنوب تمثل نوعًا من الجرأة والتمرّد على أوامر الله تعالى، وأنّ ذلك يسخط الله، والنصوص الدينية تدعو الإنسان المؤمن أن يغضب لغضب الله. وورد عن الإمام الباقر : "أوحَـى اللّه تـعالى إلى شُعَيبٍ النبيِّ: إنّي مُعَذِّبٌ مِن قومِكَ مائَةَ ألفٍ: أربعينَ ألفًا مِن شِرارِهِم وسِتّينَ ألفًا مِن خِيارِهم. فقالَ: يا ربِّ، هؤلاءِ الأشرارُ، فما بالُ الأخيارِ؟! فَأوحَى اللهُ (عزّ وجلّ) إلَيهِ: داهَنوا أهلَ المعاصِي فلَم يَغضَبُوا لِغَضَبِي".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج٢،ص٩٣٢). كانوا يمرّون على المعاصي مرور الكرام، فلا يهتمون، ولا يسخطون لما يسخط الله تعالى، والمؤمن لا ينبغي أن يكون هكذا. ثانيًا: من طبيعة المؤمن أنّه يريد الخير والصلاح لغيره كما يريده لنفسه، وارتكاب المعاصي والذنوب من قِبل الآخرين خسارة وحرمان لهم؛ لذلك يتألم وينزعج لحالهم، فهو لا يحمل صفة اللامبالاة اتّجاه ارتكاب الآخرين للمعاصي. ثالثًا: المؤمن يُدرك قُبح المعاصي والذنوب، يعلم أنّ الذنب والمعصية شيء قبيح، ومن الطبيعي أن ينفر ويشمئزّ منها، كما ينفر الإنسان من المناظر السيئة والروائح القذرة، فهو ذوق عام يجب أن يكون في المجتمع، والذوق العام السليم هو الذي يتقزّز وينفر من التصرّفات السيئة. حينما ترى أشخاصاً يبصقون في الشارع، أو يرمون المناديل الورقية والعُلب الفارغة في الأماكن العامة، ترفض ذلك نفسيًّا، وهذا هو الذوق السليم، الذي ينبغي أن يكون سائدًا في المجتمع اتّجاه الذنوب والمعاصي. رابعًا: إنّ عدم المبالاة اتّجاه المعاصي والذنوب، يعني إفساح المجال لها لكي تنتشر، فأيّ سلوك سيّء لا يُستنكر ولا يُواجه ينتشر ويسود في المجتمع، وبالتالي قد تصل آثاره إلى الإنسان المؤمن نفسه، كما قد تصل إلى عائلته وأقاربه؛ لذلك لا بُدّ للمؤمن أن يكون نافرًا منزعجًا من حصول الذنوب والمعاصي، وهي المرحلة الأولى، حيث ينكرها في قلبه، فقد ورد عن رسول الله أنّه قال: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٢،ص١٩٥٠). أمّا إذا لم يرفض الإنسان الذنب من الناحية القلبية، فإنّ ذلك يعني عدم توفّر أدنى درجات الإيمان في نفسه! وفِي حديث آخر عنه : "مَنْ شَهِدَ أَمْراً فَكَرِهَهُ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ، وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَهُ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٣،ص١٩٤٨). وينبغي أن نفرّق بين الرفض القلبي للمعصية، والتعامل مع العصاة، فهو أمر دقيق يجب توخّي الحذر فيه، فليس كلّ العصاة والمذنبين في كفّة واحدة؛ ليتم التعامل معهم بأسلوب واحد، كما أنّ الظروف الاجتماعية تختلف من عصرٍ لآخر ومن مكانٍ لآخر، فقد يكون العاصي جاهلًا، وقد يكون غافلًا، وقد يكون ظرفه ملتبساً، وقد تصدر منه المعصية اتّفاقاً، بخلاف ما إذا كان سلوكاً دائماً، وقد يكون متجرئاً معاندًا، أو مستجيباً لأجواء سائدة، كما يختلف الحال بين كونه متستراً بمعصيته أو متجاهراً بها، وهذا الاختلاف في الحالات ينتج عنه اختلاف في أسلوب التعامل والتعاطي. وهناك مبدأ تؤكّد عليه التعاليم الدينية، وهو ألّا يتحوّل الموقف من المعصية إلى موقف حقد ذاتي على شخص العاصي، ويوجّه للانتقام والتشفي منه، فالمعصية حالة مرضية، والعاصي ـ في أغلب الأحيان ـ كالمريض المحتاج إلى المساعدة للتعافي وتجاوز المرض، وفي هذا السياق تأتي كلمة أمير المؤمنين: "وإِنَّمَا يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِصْمَةِ والْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ، أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ والْمَعْصِيَةِ، ويَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ ـ والْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ".(ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج٩،ص٥٩). أن تنظر إلى العصاة نظرة رحمة وشفقة، لا نظرة حقد! أحد أصحاب الإمام موسى الكاظم يسأله: "الرَّجُلُ مِن مَواليكُم يَكونُ عارِفاً يَشرَبُ الخَمرَ ويَرتَكِبُ الموبِقَ مِنَ الذَّنبِ، نَتَبَرَّأُ مِنهُ؟ فَقالَ: تَبَرَّؤوا مِن فِعلِهِ ولا تَتَبَرَّؤوا مِنهُ، أحِبّوهُ وأَبغِضوا عَمَلَهُ".(المجلسي،بحار الأنوار:ج٦٥،ص١٤٧). عمله مبغوض، لكنّه إنسان نتعامل معه باحترام، له حقوقه، بل نسعى لمساعدته واستقطابه والتأثير عليه، بعض المتدينين قد يعيش وضعاً نفسياً متأزّماً، ويعكس ما يعانيه على تعامله مع الآخرين باسم الدين وعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! الدين لا يريد منّا أن نتعامل بجفاء وغلظة مع الشخص المذنب، بل يدعو إلى الرحمة والشفقة به.

5