السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى ( لاتحزن ان الله معنا) . عندما كان رسول الله( ص) وابو بكر في الغار ، وهنا لاتحزن كما وارد انها ليست فضيلة لأبي بكر بل رذيلة لأن حزنه لايخلو من أمرين اما فيه رضا لله تعالى او فيه سخط لله تعالى ، فأن كان فيه رضا لله فأن رسول الله ( ص) لاينهى عن شيء فيه رضا لله اذن حزنه فيه سخط لله ولذلك نهاه رسول الله ( صلى الله عليه وأله ) .
السؤال : لكن القرأن ينهى عن الحزن عندما يخاطب مريم ( إلا تحزني) وكذلك ام موسى ( لاتحزني ) فما هو وجه نهي الله تعالى لمريم وام موسى عن الحزن اذا كان الحزن لايخلو عن امرين اما رضا الله او سخط الله تعالى ؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
يمكن لنا الإجابة ، عن سؤالكم ، بعدة نقاط:
أولا :هناك شكوك حول تواجد أبي بكر بن قحافة مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في الغار ، وقد ألّف بعض المحقّقين كتاباً نفى فيه أن يكون صاحب الغار أبا بكر ، فراجعه : « صاحب الغار أبو بكر أم رجل آخر ؟ ».
ثانيا: إنّ خروج صاحبه معه لم يكن لموعد اتّفقا عليه ، بل أكثر المؤرّخين يقولون بأنّه حينما خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله لقي أبا بكر في الطريق فخشي أن يدلّ عليه تحت ضغط المشركين ، فأخذه معه ، فكان خروجه صدفة.
في الدرّ المنثور في قوله تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... المزید ) وأخرج ابنُ مردويه ، وأبو نعيم في « الدلائل » ، عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الليل فلحق بغار ثور ، قال : وتبعه أبو بكر ، فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حِسّه خلفَه خاف أن يكونَ الطَّلَبَ ، فلمّا رأى ذلك أبو بكر تنحنَحَ ، فلمّا سمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرفه ، فقام له حتّى تبعه فأتيا الغار ... .
وهذا صريح في أنّ أبا بكر صحب النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ على تقدير صحّته ـ اتّفاقاً وصدفة ، فما وجه الفضل في ذلك ، خصوصاً إذا كان النبيّ صلّى الله عليه وآله قد أخذه لكي لا يخبر المشركين بموضعه وهجرته.
وأمّا قوله تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) ، فلا يدلّ على فضيلة لأبي بكر ؛ لأنّ كثير من الناس لم يخرجوا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله ؛ فإنّ المسلمين الباقين في مكّة كانوا كثيرين ، والإمام علي عيله السلام بقي في مكّة ، وبات على فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله بأمر من النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فمجرّد خروج أبي بكر لم يكن فضيلة ، بل هو كسائر المهاجرين .
ثالثاً : إنّ المراد من الحزن في الآية الشريفة : « الخوف » كما ذكره المفسّرون ، والخوف قبيح على كلّ حال ، إلّا إذا كان خوفاً على حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ولكن هذا الخوف يدلّ على عدم الاعتقاد الكامل بقدرة الله تعالى وحكمته حيث أنّه كان يحتمل أنّ الله تعالى يسلّط أعداءه على نبيّه صلّى الله عليه وآله في ابتداء دعوته ، فيكون ذلك نقضاً للغرض ، ولا يصدر من الحكيم تعالى.
ففي تفسير مجمع البيان : ( لَا تَحْزَنْ ) أيّ : لا تخف.
وهكذا في تفسير الصافي قال : ( لَا تَحْزَنْ ) لا تخف ، ( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) بالعصمة والمعونة.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أقبل يقول لأبي بكر في الغار : اسكن فإنّ الله معنا وقد أخذته الرَّعدة ، وهو لا يسكن فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله حاله قال له : تريد أن اُريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدَّثون فاُريك جعفراً وأصحابه في البحر يغوصون ؟ قال : نعم ، فمسح رسول الله صلّى الله عليه وآله بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدَّثون ونظر إلى جعفر (ع) وأصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك السّاعة أنّه ساحرٌ.
وفي تفسير الميزان : أيّ لا تحزن خوفاً ممّا تشاهده من الوحدة والغربة وفقد الناصر وتظاهر الأعداء.
وأمّا الآيات الشريفة فبعضها فيه ذمّ أيضاً حيث إنّ الحزن كان لأجل الخوف ، ولا مانع أن يذمّ الله المسلمين ، بل حتّى المؤمنين ؛ لأنّهم غير المعصومين.
وقوله: " ألا تحزني " تسلية لها لما أصابها من الحزن والغم الشديد فإنه لا مصيبة هي أمر وأشق على المرأة الزاهدة المتنسكة وخاصة إذا كانت عذراء بتولا من أن تتهم في عرضها وخاصة إذا كانت من بيت معروف بالعفة والنزاهة في حاضر حاله وسابق عهده وخاصة إذا كانت تهمة لا سبيل لها إلى الدفاع عن نفسها وكانت الحجة للخصم عليها، ولذا أشار أن لا تتكلم مع أحد وتكفل هو الدفاع عنها وتلك حجة لا يدفعها دافع.
فقوله : ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ، صريح في ذمّهم ونهيهم عن الوهن والضعف والخوف من الأعداء ، والآية تدلّ على أنّ من شأن المؤمن أن لا يرى نفسه ضعيفاً ، ولا يحزن خوفاً من العدوّ الكافر.
وهكذا قوله تعالى : ( لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ ... ) ، فإنّ ابتلاءهم بغمّ آخر لكي لا يحزنوا يدلّ على أنّ الحزن في المقام أمر مذموم ومبغوض لله تعالى ، خصوصاً أنّ الحزن كان لأجل فوت الغنيمة.
ففي تفسير الدرّ المنثور : فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « مهلاً فإنّما أصابكم الذي أصابكم من أجلِ أنكم عَصيتُموني ». فبينما هم كذلك ، إذ أتاهمُ القومُ وقد أَيِسوا ، وقد أخترطوا سيوفَهم ، ( فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ). فكان غمُّ الهزيمةِ وغمُّهم حين أَتَوهم ؛ ( لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ ... ) من الغنيمةِ ، ( وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ) من القتل والجراحة.
وأمّا قوله : ( وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) ، فليس نهياً مولوياً متوجّهاً إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله ، بل بقرينة قوله : ( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ... ) يظهر أنّ الخطاب متوجّه إلى المسلمين.
وأمّا النبيّ صلّى الله عليه وآله فهو معصوم لا يحتمل في حقّه أن يمدّ عينيه إلى أزواج الناس ، وأن يحزن لحسد أو غيره ، فيكون من قبيل قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
فإنّ كثيراً من خطابات القرآن يكون من قبيل : « إيّاك أعني واسمعي ياجارة ».