تفسير اية 36 من سورة الزخرف
السلام عليكم ماتفسير قوله تعالى الاية 36 من سورة الزخرف (و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) ؟
جاء في تفسير الميزان ج١٨ - الصفحة ١٠٢: فقوله: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) أي من تعامى عن ذكر الرحمن ونظر إليه نظر الأعشى جئنا إليه بشيطان، وقد عبر تعالى عنه في موضع آخر الارسال فقال: (ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا) مريم: 83، وإضافة الذكر إلى الرحمن للإشارة إلى أنه رحمة. وقوله: (فهو له قرين) أي مصاحب لا يفارقه. قوله تعالى: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل يحسبون أنهم مهتدون) ضمير (أنهم) للشياطين، وضمائر الجمع الباقية للعاشين عن الذكر، واعتبار الجمع نظرا إلى المعنى في (ومن يعش) الخ، والصد الصرف، والمراد بالسبيل ما يدعو إليه الذكر من سبيل الله الذي هو دين التوحيد. والمعنى: وإن الشياطين ليصرفون العاشين عن الذكر ويحسب العاشون أنهم - أي العاشين أنفسهم - مهتدون إلى الحق. وهذا أعني حسبانهم أنهم مهتدون عند انصدادهم عن سبيل الحق امارة تقييض القرين ودخولهم تحت ولاية الشيطان فإن الانسان بطبعه الأولي مفطور على الميل إلى الحق ومعرفته إذا عرض عليه ثم إذا عرض عليه فأعرض عنه اتباعا للهوى ودام عليه طبع الله على قلبه وأعمى بصره وقيض له القرين فلم ير الحق الذي تراءى له وطبق الحق الذي يميل إليه بالفطرة على الباطل الذي يدعوه إليه الشيطان فيحسب أنه مهتد وهو ضال ويخيل إليه أنه على الحق وهو على الباطل. وهذا هو الغطاء الذي يذكر تعالى أنه مضروب عليهم في الدنيا وأنه سينكشف عنهم يوم القيامة، قال تعالى: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري - إلى أن قال - قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الكهف: 104، وقال فيما يخاطبه يوم القيامة ومعه قرينه: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) - إلى أن قال - (قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) ق: 27. وجاء في تفسير الأمثل ج ١٦ - الصفحة ٥٦ تقول الآية الأولى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين . نعم، إن الغفلة عن ذكر الله، والغرق في لذات الدنيا، والانبهار بزخارفها ومغرياتها يؤدي إلى تسلط شيطان على الإنسان يكون قرينه دائما، ويلقي لجاما حول رقبته يشده به، ويجره إليه ليذهب به حيث يشاء! من البديهي أنه لا مجال لأن يتصور أحد معنى الجبر في هذه الآية لأن هذه نتيجة الأعمال التي قام بها هؤلاء أنفسهم، وقد قلنا مرارا: إن أولى نتائج أعمال الإنسان - وخاصة الانغماس في ملاذ الدنيا، والتلوث بأنواع المعاصي - هو تكون حجاب على القلب والسمع والبصر يبعده عن الله سبحانه، ويسلط الشياطين عليه، وقد يستمر هذا الحال بالنسبة إليه حتى يغلق بوجهه باب الرجوع، لأن الشياطين والأفكار الشيطانية تكون حينئذ قد أحاطت به من كل جانب، وهذه نتيجة عمل الإنسان نفسه، وإن كانت نسبتها إلى الله سبحانه بلحاظ كونه سبب الأسباب صحيحة أيضا، وهذا هو نفس الشئ الذي عبر عنه في آيات القرآن الأخرى بعنوان تزيين الشياطين فزين لهم الشيطان أعمالهم (3)، أو بعنوان ولاية الشيطان فهو وليهم اليوم. (4) ومما يستحق الانتباه أن جملة نقيض وبالالتفات إلى معناها اللغوي، تدل على استيلاء الشياطين، كما تدل على كونهم أقرانا، وفي الوقت نفسه فقد جاءت جملة: فهو له قرين بعدها لتؤكد هذا المعنى، وهو أن الشياطين لا يفارقون مثل هؤلاء الأفراد، ولا يبتعدون عنهم مطلقا! والتعبير ب " الرحمن " إشارة لطيفة إلى أنه كيف يعرض هؤلاء عن الله الذي عمت رحمته العامة الجميع وشملتهم، ويغفلون عن ذكره؟ فهل يستحق أمثال هؤلاء غير هذا المصير ويكونون أقرانا للشياطين، يتبعون أوامرهم، وينفذون ما يملون عليهم؟ واحتمل بعض المفسرين أن يكون للشياطين هنا معنى واسع بحيث يشمل حتى شياطين الإنس، واعتبروا الكلمة إشارة إلى رؤوس الضلالة وزعمائها الذين يتسلطون على الغافلين عن ذكر الله سبحانه فيكونون أقرانا لهم، وهذا التوسع في المعنى ليس ببعيد.