العبد الفقير ( 59 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تفسير

السلام عليكم: مالمقصود بقوله تعالى ( واتبعوا ما تتلوا الشيطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشيطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هروت ومروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتره ماله في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102) ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون (103) وهل السحر يأخذ مأخذه دون تدخل الله عز وجل؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته جاء في تفسير الأمثل للشيخ مكارم ناصر الشيرازي ج١ص٣١٤-٣٦٩: يفهم من الأحاديث أن مجموعة من الناس مارست السحر في عصر النبي سليمان (عليه السلام)، فأمر سليمان بجمع كل أوراقهم وكتاباتهم، واحتفظ بها في مكان خاص. (لعل الاحتفاظ بها يعود إلى إمكان الاستفادة منها في إبطال سحر السحرة). بعد وفاة سليمان عمدت جماعة إلى إخراج هذه الكتابات، وبدأوا بنشر السحر وتعليمه. واستغلت فئة هذه الفرصة فأشاعت أن سليمان لم يكن نبيا أصلا، بل كان يسيطر على ملكه ويأتي بالأمور الخارقة للعادة عن طريق السحر! مجموعة من بني إسرائيل سارت مع هذه الموجة ولجأت إلى السحر، وتركت التوراة. عندما ظهر النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاءت آيات القرآن مؤيدة لنبوة سليمان، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمد يقول: سليمان نبي وهو ساحر! وجاءت الآية ترد على مزاعم هؤلاء وتنفي هذه التهمة الكبرى عن سليمان (عليه السلام). الآية الأولى إذن تكشف فضيحة أخرى من فضائح اليهود وهي اتهامهم لنبي الله بالسحر والشعوذة، تقول الآية عن هؤلاء القوم: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان. والضمير في " واتبعوا " قد يعود إلى المعاصرين للنبي، أو إلى أولئك اليهود المعاصرين لسليمان، أو لكلا الفريقين. والمقصود بكلمة " الشياطين " قد يكون الطغاة من البشر أو من الجن أو من كليهما. ثم تؤكد الآية على نفي الكفر عن سليمان: وما كفر سليمان. فسليمان (عليه السلام) لم يلجأ إلى السحر، ولم يحقق أهدافه عن طريق الشعوذة: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.هؤلاء اليهود لم يستغلوا ما تعلموه من سحر الشياطين فحسب، بل أساؤوا الاستفادة أيضا من تعليمات هاروت وماروت: وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت . هاروت وماروت ملكان إلهيان جاءا إلى الناس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم الناس سبل إبطال السحر، وكما إن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم الناس أصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعلم السحر وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. وسقط أولئك اليهود في الفتنة، وتوغلوا في انحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النبوة، بل من السحر والسحرة. وهذا هو دأب المنحرفين دائما، يحاولون تبرير انحرافاتهم باتهام العظماء بالإنحراف. هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الاختبار الإلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلوه على طريق الإفساد لا الإصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم. لقد تهافتوا على اقتناء هذا المتاع الدنيوي وهم عالمون بأنه يصادر آخرتهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق لقد باعوا شخصيتهم الإنسانية بهذا المتاع الرخيص ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. لقد أضاعوا سعادتهم وسعادة مجتمعهم عن علم ووعي، وغرقوا في مستنقع الكفر والانحراف ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون. والجواب عن تأثير السحر دون تدخل الله : جاء في تفسير الأمثل ج١ص٣١٩: لا قدرة لأحد على عمل دون إذن الله نفهم من قول الله في هذه الآيات أن السحرة ما كانوا قادرين على إنزال الضر بأحد دون إذن الله سبحانه، وليس في الأمر " جبر " ولا إرغام، بل إن هذا المعنى يشير إلى مبدأ أساس في التوحيد، وهو إن كل القوى في هذا الكون تنطلق من قدرة الله تعالى، النار إذ تحرق إنما تحرق بإذن الله، والسكين إذ تقطع إنما تقطع بأمر الله. لا يمكن للساحر أن يتدخل في عالم الخليقة خلافا لإرادة الله. كل ما نراه من آثار وخواص إنما هي آثار وخواص جعلها الله سبحانه للموجودات المختلفة، ومن هذه الموجودات من يحسن الاستفادة من هذه الهبة الإلهية ومنهم من يسئ الاستفادة منها. و " الاختيار " الذي منحه الله للإنسان إنما هو وسيلة لاختباره تكامله. نستنتج من دراسة 51 موضعا من مواضع ذكر كلمة " سحر " في القرآن الكريم أن السحر ينقسم في رأي القرآن الكريم على قسمين: 1 - الخداع والشعبذة وخفة اليد وليس له حقيقة كما جاء في قوله تعالى: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وقوله: فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم ويستفاد من هذه الآيات أن السحر ليس له حقيقة موضوعية حتى يمكنه التأثير في الأشياء، بل هو خفة حركة اليد ونوع من خداع البصر فيظهر ما هو خلاف الواقع. 2 - يستفاد من آيات أخرى أن للسحر أثرا واقعيا، كقوله سبحانه: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وقوله: ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم كما مر في الآيات التي نحن بصددها. وهل إن للسحر تأثيرا نفسيا فقط، أم يتعدى ذلك إلى الجسم أيضا؟ لم تشر الآيات أعلاه إلى ذلك، ويعتقد بعض الناس أن هذا التأثير نفسي لا غير. جدير بالذكر أن بعض ألوان السحر كانت تمارس عن طريق الاستفادة من خواص المواد الكيمياوية والفيزياوية لخداع الناس. فيحدثنا التاريخ أن سحرة فرعون وضعوا داخل حبالهم وعصيهم مادة كيمياوية خاصة (ولعلها الزئبق)، كانت تتحرك بتأثير حرارة الشمس أو أية حرارة أخرى، وتوحي للمشاهد أنها حية. وهذا اللون من السحر ليس بقليل في عصرنا الراهن.

1