السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
ننقل لكم جواب السيد جعفر العاملي (رحمه الله)، عن ذلك :
إننا لا نتصور أن بكاءها على أبيها هو الذي أزعج المعترضين ، وأثار حفيظتهم ، وإنما الذي أحفظهم وأزعجهم هو ما يثيره وجود الزهراء إلى جانب قبر أبيها على حالة من الحزن والكآبة والانكسار الذي يذكر الناس بالمأساة التي تعرضت لها عليها السلام فور وفاة أبيها ، حيث إن ذلك يمثل حالة إثارة مستمرة للناس الطيبين والمؤمنين والمخلصين ، وهو إدانة لكل ذلك الخط الذي لم يتوقف عن فعل أي شئ في سبيل ما يريده .
فلم يكن البكاء على شخص الرسول ، بقدر ما كان تجسيدا للمأساة التي حاقت بالإسلام وبرموزه بمجرد وفاته وفقده صلوات الله وسلامه عليه .
فالبكاء إذن لم يكن بكاء الجزع من المصاب ، واستعظام فقد الشخص ، لكي يتنافى ذلك مع الانفتاح على قضاء الله وقدره . كما يريد هذا القائل أن يوحي به .
ولا يجد البعض حاجة إلى بيت الأحزان ، لتبكي الزهراء فيه ، فهو لا يتصورها تبكي على أبيها بحيث تزعج أهل المدينة حتى يطلبوا منها السكوت ؟ لأن ذلك يعني أنها كانت تصرخ بصوت عال في الطرقات ؟ ! وهذا الصراخ والازعاج لا يتناسب مع مكانتها عليها السلام ؟ !
أولا : هناك رواية ذكرها المجلسي ، مضعفا لها ، لأنه لم ينقلها - كما قال - عن أصل يعول عليه ، وهي عن فضة ، وفيها : أن فاطمة ( ع ) قد خرجت ليلا في اليوم الثاني لوفاة أبيها ، وبكت ، وبكى معها الناس ، ولما رأى أهل المدينة مدى حزنها طلبوا من علي ( ع ) أن تبكي إما ليلا أو نهارا ، فبنى لها بيت الأحزان في البقيع . وقد تقدمت الإشارة إلى مصادر أخرى لهذه المقولة .
ومن الواضح : أن رواية فضة لا يصح الاعتماد عليها كما ذكره المقدسي رحمه الله . لا من حيث السند ، ولا من حيث المضمون كما يظهر لمن راجعها .
أما بالنسبة لبيت الأحزان ، فهو " باق إلى هذا الزمان ، وهو الموضع المعروف بمسجد فاطمة ، في جهة قبة مشهد الحسن والعباس ، وإليه أشار ابن جبير بقوله : ويلي القبة العباسية بيت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، ويعرف ببيت الحزن ، يقال : إنه هو الذي آوت إليه ، والتزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيها ( ص ) " .
ثانيا : إن بكاءها ( ع ) في الليل أكثر إزعاجا للناس الذين يتفرقون في النهار إلى متابعة أعمالهم في مزارعهم ، والاهتمام بمواشيهم ، وقضاء حوائجهم ، فكان الأولى أن تقيم في بيت الأحزان في الليل دون النهار .
ثالثا : إن الحقيقة هي أن بكاء الزهراء لم يزعج أهل المدينة ، وإنما ازعج الهيئة الحاكمة التي كانت بحاجة إلى أن تتواجد في مسجد الرسول ( ص ) إلى جانب منبره الشريف ، الذي يبتعد أمتارا يسيرة تكاد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة . فكان أن منعها الحكام من ذلك.
وكان الناس يتوافدون إلى هذا المسجد بالذات ، ويتواجدون فيه منذ الفجر إلى وقت متأخر من الليل ، من أجل الصلاة ، ومن أجل متابعة ما يجري من أحداث . فالمسجد هو مركز البلد ، الذي كان صغيرا نسبيا ، حيث قد لا يصل عدد سكانه إلى بضعة آلاف ، لأن مكة التي هي أكبر من المدينة بكثير ، وكانت تسمى أم القرى كانت تجند أربعة آلاف مقاتل على الأكثر ، حسبما ظهر في غزوة الأحزاب ، التي جندت فيها مكة كل طاقاتها .