معنى الحكمه
ما معنى الحكمه في القرآن الكريم وفرقها عن العلم؟
جاء في تفسير مجمع البيان ، في بيان معنى الحكمة في قوله تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة : 269] . وصف تعالى نفسه فقال يؤتي الحكمة أي يؤتي الله الحكمة {من يشاء} وذكر في معنى الحكمة وجوه قيل أنه علم القرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله عن ابن عباس وابن مسعود وقيل هو الإصابة في القول والفعل عن مجاهد وقيل أنه علم الدين عن ابن زيد وقيل هو النبوة عن السدي وقيل هو المعرفة بالله تعالى عن عطاء وقيل هو الفهم عن إبراهيم وقيل هو خشية الله عن الربيع وقيل هو القرآن والفقه عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروي أيضا عن مجاهد وقيل هو العلم الذي تعظم منفعته وتجل فائدته وهذا جامع للأقوال وقيل هوما آتاه الله أنبياءه وأممهم من كتابه وآياته ودلالاته التي يدلهم بها على معرفتهم به وبدينه وذلك تفضل منه يؤتيه من يشاء عن أبي علي الجبائي . وإنما قيل للعلم حكمة لأنه يمتنع به عن القبيح لما فيه من الدعاء إلى الحسن والزجر عن القبيح ويروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ((إن الله آتاني القرآن وآتاني من الحكمة مثل القرآن وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلا كان خرابا ألا فتفقهوا وتعلموا فلا تموتوا جهالا)) {ومن يؤت الحكمة} أي ومن يؤت ما ذكرناه {فقد أوتي} أي أعطي {خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب} أي وما يتعظ ب آيات الله إلا ذوو العقول فإن قيل لم عقد بأولي الألباب التذكر وكل مكلف ذو لب قيل لم تطلق على جميع المكلفين هذه الصفة لما فيها من المدحة فلذلك عقد التذكر بهم وهم الذين يستعملون ما توجبه عقولهم من طاعة الله في كل ما أمر به ودعا إليه وسمي العقل لبا لأنه أنفس ما في الإنسان كما أن لب الثمرة أنفس ما فيها . ________________________ 1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص194 . وذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآية : تطلق الحكمة على معان : منها المصلحة ، كقولك : الحكمة من هذا الشيء كذا . ومنها الموعظة ، مثل الحكمة ضالة المؤمن ، ومنها العلم والفهم ، ومنه قوله تعالى : {ولَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ} . ومنها النبوة ، كقوله : وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب . . وتطلق الحكمة على الفلسفة . وقال قائل : الحكمة هي علم الفقه . وقال آخر : هي جميع العلوم الدينية . وقال ثالث : هي طاعة اللَّه فقط . ومهما قيل أو يقال فان الحكمة لا تخرج أبدا عن معنى السداد والصواب ، ووضع الشيء في موضعه قولا وعملا ، فالحكيم هو الذي يحكم الشيء ، ويأتي به على مقتضى العقل والواقع ، لا حسب الميول والرغبات ، ولا يستعجله قبل أوانه ، أو يمسك عنه في زمانه ، أو ينحرف به عن حدوده وقيوده . وعلى هذا فالحكمة لا تختص بالأنبياء والأولياء ، ولا بالفلاسفة والعلماء ، فكل من اتقن عملا وأحكمه فهو حكيم فيه ، سواء أكان فلاحا ، أو صانعا ، أو تاجرا ، أو موظفا ، أو واعظا ، أو أديبا ، أو خطيبا ، أوحاكما ، أو جنديا ، أو غيره . . فالشرط الأول والأخير للحكمة والحكيم أن يحقق العمل الغرض المطلوب منه عقلا وشرعا ، دنيا ودينا . وليس من شك ان من كانت الحكمة رائده ومرشده كان سعيدا في الدارين ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : (ما أنعم اللَّه على عبد بنعمة أعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة ، قال تعالى {ومَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الأَلْبابِ } . أي لا يعلم أحد ما أودع اللَّه في الحكمة من الأسرار إلا من استخلصه لنفسه ، فالحكمة هي النجاة ، وصفة الثبات عند أوائل الأمور ، والوقوف عند عواقبها) . وتجمل الإشارة هنا إلى الفرق بين العلم والحكمة . . فالعلم يقيس الكميات ، ويتعرف على العلاقات التي تربط هذه الكميات بعضها ببعض ، ويكتشف القوانين التي تجمعها في شمل واحد ، والأثر الذي يترتب عليها من خير أوشر . أما الحكمة فإنها تأمر باتباع العقل السليم ، والدين القويم ، واستعمال الشيء فيما وضع له ، وخلق من أجله - مثلا - العلم يفتت الذرة ، ويوجد السفن الفضائية ، ولكنه لا ينظر إلى الهدف الذي يرمي إليه العالم خيرا كان أوشرا ، ولا ينهاه عن هذا ، ويأمره بذاك ، أما الحكمة فلا يعنيها من تفتيت الذرة ، واختراع السفن كثير ولا قليل ، وانما تنظر إلى ما تستعمل فيه الذرة وسفن الفضاء ، وتوجه الإنسان إلى أن يبتغي بهما خير الانسانية وهناءها ، لا شرها وشقاءها . _______________________________ 1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص421-422 .