( 22 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

القران

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لماذا لم يذكر القران كل الأشياء والأحكام الشرعية تفصيلاً ؟!


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته القرآن فيه تبيان لكلّ شيء من حيث الأُسس والقواعد العامّة لكلّ ما يمكن أن يسأل عنه ويهتم به الإنسان في أُموره العقائدية والعملية، إلاّ أنّ القرآن الكريم ليس فيه تفصيل لكلّ شيءٍ؛ ففرق بين التبيان والتفصيل! فالتبيان: هو إظهار المقاصد من طريق الدلالة اللفظية، وقد بيّن القرآن الكريم أساس كلّ مقصد يهتم به الإنسان في عقائده وعباداته ومعاملاته، ولم يترك في هذا الجانب شاردة أو واردة إلاّ وقد وضع لها قاعدة عامّة أو أساساً ترجع إليه من الكتاب الكريم، وهذا المعنى لا يدركه ولا يعلم به إلاّ أهله العارفون بعلوم القرآن وبياناته.. فإنّك مثلاً تجد أنّ المولى سبحانه قد ذكر وجوب أداء الصلاة على المؤمنين، وأنّها كتاباً موقوتاً، أي: ثابتاً، عليهم أداؤه والالتزام به، لكنّه سبحانه لم يبيّن لهم عدد ركعات الصبح أو ركعات الظهر أو العصر، ولم يبيّن لهم ما يقولون في هذه الركعات، أو كيف يركعون، أو يسجدون، أو كيف يتشهّدون، أو يسلّمون، أو ماذا يفعلون إذا أصابهم سهو أو شكّ في الصلاة.. الخ من الأُمور الكثيرة التي يُبتلى بها المكلّف في صلاته، وهي ليس لها بيان أو ذكر في القرآن الكريم، وإنّما ذكر القرآن فقط ما يستفاد منه الأمر بوجوب أداء الصلاة، ولكن كان التفصيل هو مهمة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحسب ما جاء في القرآن الكريم: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم )) (النحل:44)، وأيضاً بحسب الأمر الإلهي الوارد في الأخذ بكلّ ما جاء عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أقوال وأفعال، كما هو المستفاد من قوله تعالى: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )) (الحشر:7). وهكذا تجد أنّ مهمة التفصيل قد أُنيطت بالرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم). وأمّا مهمة البيان أو التبيان للأُسس والأُصول فهي موكولة للقرآن الكريم، وقد تكفّل بها، كما تشير إليه الآية الكريمة موضع الكلام.. وكذلك يطرح السؤال ، لماذا لم يذكر القرآن أسماء الأئمة (عليهم السلام ) صراحة خصوصا أمير المؤمنين (عليه السلام)، كدليل على إمامته؟ وقد أجيب عن ذلك، قد بيّن المولى سبحانه ما يتعلّق بالإمامة من حيث شروطها وصفات شخوصها ما يمكن استفادته في آيات كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال: أولاً: قوله تعالى: (( إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة :55)، فهذه الآية الكريمة نزلت بحقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد أثبت ذلك بسند صحيح ابن أبي حاتم في تفسيره وغيره، وهي صريحة في حصر الولاية بالله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (صلوات الله عليه)؛ لموقع (إنّما) التي تفيد الحصر في الكلام، ولا يمكن لنا أن نتصوّر المعنى الذي يمكن أن تحصر فيه الولاية من معنى (الوليّ) في الآية سوى: ولاية الأمر، دون معنى المحبّة، أو النصرة، أو ما شابه ذلك، التي لا مجال لتصوّرها في المقام (1) . ثانياً: قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59)، فقد استفاد العلماء من هذه الآية شرط العصمة في ولاة الأمر، وذلك لمحلّ الطاعة المطلقة التي افترضها الأمر الإلهي في الآية الكريمة، ولا يمكن لنا أن نتصوّر الإطاعة المطلقة لشخص إلاّ أن يكون معصوماً، وإلاّ - أي: في مورد احتمال الخطأ، وهو: أن يكون الشخص غير معصوم - يكون ذلك تجويزاً وترخيصاً باتّباع الخطأ أو الباطل، وهو لا يمكن صدوره من الحكيم سبحانه وتعالى، وهذا يعني: لا بدّ من عصمة (ولاة الأمر)؛ ليصحّ ورود الأمر بإطاعتهم المطلقة على المسلمين (2) . وهذا المعنى بعينه ولفظه استفاده الفخر الرازي عند تفسيره للآية الكريمة في تفسيره الكبير (3) .. ونحن إذا عرفنا ذلك من الآية الكريمة فيكون معناها هو: التكليف بإطاعة المعصومين في الأُمّة، وإذا قلنا أنّ المعصومين غير موجودين، فهذا معناه: التكليف بالمحال، والتكليف بالمحال محال على المولى، فلا بدّ إذاً أن نعرف من هو المعصوم في الأُمّة لنطيعه، وهو الذي يستحقّ أن يكون وليّ الأمر؛ لتوفّر شرط الطاعة فيه، وهو: العصمة. ومن خلال القرآن والحديث الشريف الصحيح نستطيع أن نثبت عصمة أشخاص معينين كانت تدور رحى الطاعة عليهم، وهم أهل البيت(عليهم السلام)، الذين خصّهم المولى سبحانه بالتطهير ورفع الرجس عنهم، (كما هو مفاد آية التطهير في سورة الأحزاب الآية33)، وأيضاً مفاد حديث الثقلين المشهور المتواتر، الذي يستفاد منه عصمة أهل البيت(عليهم السلام)؛ لعدم افتراقهم عن القرآن - كما أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك - وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

1