الروح ( 17 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تفسير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال تعالى:{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا} ماهو تفسير هذه الآية وما المقصود بالكلام في هذه الآية؟؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته جاء في تفسير الأمثل ج ٣ - الصفحة ٥٤٠-٥٤٥: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان وآتينا داود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) لقد تناولت الآيات السابقة مسألة التمييز الذي مارسه اليهود بشأن الأنبياء، حيث كانوا يؤمنون ويصدقون ببعض أنبياء الله تعالى ويكفرون بالبعض الآخر منهم. أما الآيات أعلاه فهي ترد على اليهود، وتؤكد أن الله أوحى إلى نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنزل الوحي على أنبيائه نوح والنبيين الذين جاؤوا من بعد نوح، وكما أوحى إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام) وأنزل الوحي على الأنبياء من أبناء يعقوب، وعلى عيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان (عليهم السلام)، وكما أنزل الله على داود (عليه السلام) كتاب الزبور، حيث تقول الآية: إنا أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. وهذه الآية ترد على اليهود مؤكدة على أن شرائع الأنبياء العظام مستقاة كلها من ينبوع الوحي الإلهي، وإنهم جميعا يسيرون في طريق واحد، ولذلك لا تجوز التفرقة بينهم. وقد تكون هذه الآية خطابا للمشركين والكفار من عرب الجاهلية، الذين كانوا يظهرون الدهشة والعجب من نزول الوحي على نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي ترد على هؤلاء مؤكدة أن لا عجب في نزول الوحي على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد نزل قبل ذلك على الأنبياء السابقين. ثم تبين الآية أن الوحي لم يقتصر نزوله على هؤلاء الأنبياء، بل نزل على أنبياء آخرين حكى الله قصصهم للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، وأنبياء لم يحك الله قصصهم، وكل هؤلاء الأنبياء أرسلهم الله إلى خلقه، وأنزل عليهم الوحي من عنده، تقول الآية: ورسلا قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك.... وتبين هذه الآية في آخرها قضية مهمة جدا، وهي أن الله قد كلم موسى بدل أن ينزل عليه الوحي، فتقول: وكلم الله موسى تكليما.... وعلى هذا الأساس فإن صلة الوحي ظلت باقية بين البشر، ولم يكن من عدل الله أن يترك البشر دون مرشد أو قائد، أو أن يتركهم دون أن يعين لهم واجباتهم وتكاليفهم، وهو الذي بعث الأنبياء والرسل للبشر مبشرين ومنذرين، لكي يبشروا الناس برحمته وثوابه، وينذرونهم من عذابه وعقابه لكي يتم الحجة عليهم فلا يبقى لهم عذر أو حجة، تقول الآية: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. فقد أحكم الله العزيز القدير خطة إرسال الأنبياء ونفذها بكل دقة، وبهذا تؤكد الآية وكان الله عزيزا حكيما فحكمته توجب تحقيق هذا العمل، وقدرته تمهد السبيل إلى تنفيذه، وعلى عكس ذلك فإن إهمال هذا الأمر المهم، إما أن يدل على الافتقار إلى الحكمة والمعرفة، أو أنه دلالة على العجز، والله منزه عن كل هذه العيوب. أما الآية الأخرى فهي تطمئن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضح له أن المهم هو أن الله قد شهد بما أنزل عليه من كتاب، وليس المهم أن يؤمن نفر من هؤلاء بهذا الكتاب أو يكفروا به - فتؤكد الآية في هذا المجال -: لكن الله يشهد بما أنزل إليك. ولم يكن اختيار الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمنصب النبوة أمرا عبثا - والعياذ بالله - بل كان هذا الاختيار نابعا من علم الله بما كان يتمتع به النبي من لياقة وكفاءة لهذا المنصب العظيم، ولنزول آيات الله عليه - حيث تقول الآية: أنزله بعلمه. ويمكن - أيضا - أن تشمل هذه الآية معنى آخر، وهو أن ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آيات إنما ينبع من بحر علم الله اللامتناهي، وإن محتوى هذه الآيات يعتبر دليلا واضحا على أنها نابعة من علم الله - وعلى هذا الأساس فإن الشاهد على صدق ادعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الآيات القرآنية، ولا يحتاج إلى دليل آخر لإثبات دعوته، فلو لم يكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الوحي من قبل الله سبحانه وتعالى لما أمكنه أبدا - وهو المعروف بالأمي - أن يأتي بكتاب كالقرآن يشتمل على أرفع وأسمى التعاليم والفلسفات والقوانين والمبادئ الأخلاقية والبرامج الاجتماعية. والقرآن الكريم يؤكد أن ليس الله وحده الذي يشهد بأن دعوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الحق، بل يشهد معه ملائكته بأحقية هذه الدعوة، مع أن شهادة الله كافية وحدها في هذا المجال تقول الآية الكريمة: والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا. لقد كان نزول الوحي على الأنبياء يتم بصور مختلفة، فمرة ينزل بالوحي ملك من الملائكة المكلفين به وأحيانا يلقي الوحي على النبي بواسطة الإلهام القلبي، وأخرى ينزل بصورة صوت يسمعه النبي، أي أن الله يخلق الأمواج الصوتية في الفضاء أو الأجسام فيسمعها أنبياؤه وبهذه الواسطة كان يتم التخاطب بينهم وبين الله سبحانه وتعالى. ومن الذين حظوا بمزية التخاطب مع الله النبي موسى بن عمران (عليه السلام)، فكان يسمع الصوت، أحيانا من شجرة وادي الأيمن، وأحيانا في جبل طور، ولذلك لقب هذا النبي بلقب " كليم الله "، ولعل مجئ اسم النبي موسى (عليه السلام) في الآيات الأخيرة بصورة منفصلة كان من أجل بيان هذه الخصيصة التي امتاز بها موسى (عليه السلام) على غيره من أنبياء الله (عليهم السلام).