زيد محمد
( 41 سنة )
- العراق
منذ 3 سنوات
كلام السيد الخوئي (قدس سره)
ادعى أحد الخطباء بأن في كتاب فقه الشيعة للسيد الخوئي ( رحمه الله ) يقول السيد الخوئي بأن أبا بكر وعمر ليسا من النواصب، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً، فكيف تفسّرون ذلك ؟
هذه القضية هي من المسائل الفقهية، والتي تخضع لضوابط علمية وموضوعية، والسيد الخوئي (قدس سره) هو خرّيت هذه الصناعة، وتخرج على يده الكثير من الفقهاء الكبار، وكان زعيما للمذهب لسنين طوال، وخدم المذهب لسنين أطول، فليس من المناسب أن يأتي من ليس له معرفة بالفقه وأصوله ويسيء إلى عملاق الفقه والأصول،
ونزولا عند رغبتكم وسؤالكم أجيبكم على هذا التساؤل، وقبل الجواب لابد من مقدمة وهي:
إن الإسلام يتعامل مع الناس بحسب ما يظهرونه، فمن كان يُظهر الإسلام، ويتشهد الشهادتين فهو مسلم، وتجري عليه أحكام الإسلام، ويحكم بطهارته (فالحكم بطهارته يتوقف على إظهاره للإسلام بالإقرار بالشهادتين، وإن كان إقراراً صورياً ولم يكن معتقدا به حقيقةً وقلباً.
ومما يدل على ذلك - مضافا إلى السيرة المتحققة - أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يكتفي في إسلام الكفرة بمجرد تلفظهم الشهادتين باللسان مع القطع بعدم كونهم بأجمعهم معتقدين بالإسلام حقيقة وإلى ذلك يشير قوله عز من قائل: (إِذَا جَاۤءَكَ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ قَالُوا۟ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ یَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ لَكَـٰذِبُونَ) )(كتاب الطهارة ، السيد الخوئي ، ج2 / ص69)
وكثير ممن أسلم كان إسلامه ظاهرياً، أمثال هند وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم، والنبي (صلى الله عليه وآله) تعامل معهم معاملة المسلمين، وأجرى أحكام الإسلام عليهم، مع شدة بغضهم للنبي(صلى الله عليه وآله) وللإسلام.
وهناك موارد كثير أخرى العبرة فيها على الظاهر، كالقضاء، والارتداد، فإنه ما دام يتشهد الشهادتين فهو مسلم وليس بمرتد، وإن لم يكن في قلبه إيمان بشيء من عقائد الاسلام، وهذا لا يعني أنه واقعاً مسلم، وأنه محترم الدم عند الله تعالى، بل في الواقع هو كافر، وأنه يخلّد في جهنم؛ لأنه لا يؤمن، وليس بموحد.
إذا اتضح هذا نقول في الجواب:
أولًا : النواصب هم كل من يبغض أهل البيت (عليهم السلام)، ويُظهر النصب لهم، فمن كان كذلك فهو خارج عن الاسلام، وهو كافر ويحكم بنجاسته.
وكل من يبغضهم، ولكن لا يظهر النصب والعداء لهم فليس ناصبياً بالمصطلح الفقهي، أي لا يترتب عليه أحكام الناصبي ويحكم بإسلامه وطهارته ظاهراً، وإن كان واقعاً وعند الله تعالى هو ليس كذلك إلا أنه في الدنيا يعامل معاملة المسلم.
ومن هنا فإذا كان خروج الشخص على الإمام(عليه السلام) من دون أن يظهر بغضه، وإنما طلبا للرئاسة فهذا بالمصطلح الفقهي لا يكون ناصبيا ولا نحكم بكفره، وهذا المعنى ينطبق على الأول والثاني، فإنهما كانا ينازعان الإمام علي(عليه السلام) على الرئاسة، لا أنهم يظهرون بغضه، فلو فرضنا جدلاً أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يعارضهم في الرئاسة لما تعرضوا له، فكانوا من جهة الظاهر يطلبون الرئاسة، ولا يظهرون أنهم يبغضون عليا (عليه السلام)، أو أهل بيته(عليهم السلام)، بل على العكس، فقد ورد أن الزهراء (عليها السلام) عندما طالبت بحقها، وخطبت خطبتها، قال لها أبو بكر : ((لقد كان أبوكِ بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً، على الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباكِ دون النساء، وأخا إلفِكِ دون الأخلاَّء، آثره على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبّكم إلاّ كل سعيد، ولا يبغضكم إلاّ كل شقيّ، فأنتم عترة رسول الله الطيبون، والخيَرة المنتجبون، على الخير أدِلّتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنتِ يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلكِ، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك ... المزید.))(الاحتجاج ، الطبرسي ، ج1/ص141)، وغير هذا المورد الذي كانوا يصرّحون فيه بأنهم يحبونهم، ويعرفون قدرهم ومنزلتهم، فهؤلاء ظاهراً لا يظهرون العداء والبغض لأهل البيت (عليهم السلام)، بل كانوا يظهرون الودّ والمحبة، وهم عندما تصدوا للحكم والرئاسة كانوا يطالبونهم بالبيعة، وبالتأكيد يطالبون من أمير المؤمنين (عليه السلام) البيعة بادعائهم أن أبا بكر هو خليفة المسلمين وعلى الجيمع إطاعته، والكل يقرّ له بالبيعة، ولذا كانوا يطلبون من أمير المؤمنين (عليه السلام) البيعة، كما طلبوها من الجميع، ولمّا رفض أمير المؤمين (عليه السلام) البيعة لهم فهذا في نظرهم تمرد على خليفة المسلمين، وبالتالي يجبرونه كما يجبرون أي شخص يمتنع عن البيعة، فكانت حركتهم ضدّ امير المؤمنين (عليه السلام) لأجل الرئاسة والخلافة، لا لأجل أنهم يظهرون بغضهم، وينصبون لشخصه العداء ظاهراً، وهذا لا يعني أنهم لا يبغضونه باطناً، بل كل ما نعني هو أنهم لا يظهرون بغضه، وإنما يريدون الدنيا، وينازعونه على كرسي الحكم، فهذا من جهة الحكم بالنجاسة لا نحكم بنجاسته، وإنما هو مسلم ظاهراً، وبالتالي ليس بنجس.
وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أنهم كانوا مسلمين ظاهراً، ولم يكونوا كافرين ظاهراً، منها:
1- لم يُعرف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يتحذّر من التعامل معهما كمسلمين، فلم يرد أنه كان يغسل يده عند السلام عليهم، ولم يكن يرتب آثار النجاسة معهم.
2- لم يعهد منه (عليه السلام) أنه يعترض على زواجهم من نساء المسلمين، فإنه لا يجوز للكافر أن يتزوج المسلمة.
3- كانوا يدخلون المساجد، ومسجد النبي (صلى الله عليه واله)، ولم يتحرز أحد من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك، ولا أمير المؤمنين نفسه (عليه السلام).
وغير ذلك من المؤشرات التي تدلّ على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتعامل معهم كمسلمين ظاهرا، ولهم أحكام المسلمين.
ثانيا: أن الناقل لكلام السيد الخوئي (قدس سره) لم يكن أمينا في النقل، فالسيد الخوئي (قدس سره) عقّب كلامه وقال : (وإنما نازعوهم في تحصيل المقام، والرئاسة العامة، مع الاعتراف بما لهم من الشأن والمنزلة، وهذا وإن كان أشد من الكفر والإلحاد حقيقة إلاّ أنه لا ينافي الإسلام الظاهري، ولا يوجب النجاسة المصطلحة).
فالسيد (رحمه الله) يراهم أشد من الكفر والإلحاد باطناً وحقيقة، ولكن هذا لا يرتّب عليهم النجاسة الظاهرية، لما ذكرناه في المقدمة من أن الإسلام له أحكام ينظر فيه الجهة الظاهرية لا الباطنية، وإن كنا نريد أن نحاكم الناس على بواطنهم لما سلم كثير من المسلمين.
فهذا الناقل الذي يتكلم عن جهبذ مثل السيد الخوئي (قدس سره) لم ينقل هذه العبارة، ولم يبيّنها للناس، إما لجهله بالفرق بين الحكم الظاهري والواقعي ، وإما لشيء في نفسه الله أعلم به.
واخيرا أرجو من المؤمنين أن يكونوا على حذر ممن يتكلم ويعلو صوته من هنا أو هناك ، فهذا قد يكون أداة بيد غيره وهو لا يدري ، وهناك من يتصيّد بالماء العكر، ويريد أن يبعد المسلمين عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنهم عرفوا جيدا أن القوة الحقيقية التي يمتلكها هؤلاء الشيعة كامنة في النظام الرصين الذي شيده أهل البيت (عليهم السلام) وهو برعاية إمامنا الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، وأن العلماء هم الامتداد لفكر اهل البيت (عليهم السلام)، وقد حملوا المذهب، وحموه من الاعداء والنواصب والحاقدين والمارقين حتى وصلنا قويا لا يقدر عليه أحد، وسيبقى هكذا إلى ظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف).
واختم برواية عن إمامنا الجواد (عليه السلام) :
((قال محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) : (من تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم، ليحفظوا عهد الله على العباد بأفضل الموانع، بأكثر من فضل السماء على الأرض، والعرش والكرسي والحجب على السماء ، وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء))(الاحتجاج ، الطبرسي : ج1 / ص9) .